في خطوة تبرز احتدام المنافسة الجيوسياسية المتصاعدة بين واشنطن وبكين حول الصناعات الاستراتيجية، أعلنت وزارة التجارة الصينيةفي 14 أكتوبر 2025، عن فرض عقوبات على خمس شركات تابعة لشركة بناء السفن الكورية الجنوبية “هانوا أوشن” ومقرها في الولايات المتحدة، وهي: هانوا للشحن، وحوض بناء السفن في فيلادلفيا، وهانوا أوشن يو إس إيه العالمية، وهانوا القابضة للشحن، وإتش إس يو إس إيه القابضة، حيث فرضت هذه العقوبات بموجب قانون مكافحة العقوبات الأجنبية الصيني، الذي يحظر على جميع المؤسسات والأفراد الصينيين إجراء أي معاملات أو تعاون أو أنشطة ذات صلة مع الكيانات المذكورة.
ومن بين الشركات الرئيسية التي شملتها العقوبات شركة حوض بناء السفن في فيلادلفيا، والتي استحوذت عليها مجموعة هانوا العام الماضي في صفقة بلغت قيمتها 100 مليون دولار، حيث يعتبر الحوض أحد رموز مبادرة “ماسغا” (اجعل صناعة بناء السفن الأمريكية عظيمة مرة أخرى)، وهي مشروع تعاون في مجال بناء السفن بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، ومن المتوقع أن يشهد المشروع تمويلاً بقيمة 150 مليار دولار يهدف إلى إنعاش صناعة بناء السفن الأمريكية عبر استثمارات كورية جنوبية، حيث سلط الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ الضوء هذا التعاون بوصفه أحد التطورات الرئيسية في العلاقات بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة خلال زيارته إلى فيلادلفيا في أغسطس الماضي.
أشارت بكين صراحةً إلى أن الشركات المعنية قدّمت دعماً ومساعدة للتحقيق التجاري الأمريكي بموجب المادة 301 بشأن القطاعات البحرية واللوجستية وصناعة بناء السفن في الصين، مدّعية أن هذا التعاون “يعرّض سيادة الصين وأمنها ومصالحها التنموية للخطر”.
بعد التوصل إلى اتفاق عقب اجتماع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ في بوسان على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك)، أعلن البيت الأبيض أن الصين ستلغي الإجراءات التي اتخذتها رداً على إعلان الولايات المتحدة عن التحقيق بموجب المادة 301، وسترفع العقوبات المفروضة على عدد من الكيانات البحري، ومع ذلك، فإن الإجراءات الصينية ضد شركة هانوا مثّلت احتمالاً لتصعيد كبير في التنافس الصناعي بين الولايات المتحدة والصين، إذ استهدفت بشكل مباشر شركة تابعة لحليف رئيسي لواشنطن تشارك في جهودها الاستراتيجية لإحياء قدراتها الوطنية في بناء السفن.
استهداف التعاون البحري
صُمِّمت العقوبات بشكل خاص لتقويض التعاون المتنامي بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة في مجال بناء السفن الحربية، حيث أصبحت شركة هانوا أوشن شريكاً محورياً في الجهود الأمريكية الرامية إلى الحد من الهيمنة العالمية للصين في صناعة بناء السفن، وهي صناعة تُعدّها بكين قطاعاً استراتيجياً وطنياً.
صُمِّمت العقوبات الصينية لتقويض التعاون المتنامي بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة في مجال بناء السفن الحربية
كما استهدفت العقوبات بشكل مباشر تعاون هانوا مع الولايات المتحدة ضمن مبادرة “ماسغا”، وهو تعاون تجلّى في استحواذها على حوض فيلي لبناء السفن، وفي تعهّد سيؤول باستثمارات بمليارات الدولارات لدعم إنتاج السفن العسكرية والتجارية الأمريكية.
من خلال حظر المعاملات مع الكيانات الأمريكية التابعة لشركة هانوا، وجّهت بكين رسالة واضحة إلى الشركات الكورية الجنوبية وغيرها من الشركات الحليفة مفادها بأن المشاركة في السياسات الصناعية الاستراتيجية لواشنطن ستترتب عليها تكاليف اقتصادية، مستخدمةً السوق الصينية كأداة ضغط جيوسياسي ضد استراتيجيات التحالف الأمريكية.
وجاءت هذه العقوبات في الوقت الذي قرر فيه مكتب الممثل التجاري الأمريكي في أبريل بفرض رسوم موانئ أعلى بكثير على السفن المبنية أو المملوكة أو المشغَّلة من قبل كيانات صينية، بدءاً من 14 أكتوبر، وهو ما تزامن مع توقيت العقوبات الصينية.
وعلى الرغم من تعليق هذه الرسوم من الجانبين لمدة عام عقب محادثات ترامب وشي، إلا أن هذا التوتر يؤكد أن القطاع البحري أصبح الآن جبهة رئيسية في هذه المواجهة الجيوسياسية.
رغم تعليق الرسوم من الجانبين لمدة عام عقب محادثات ترامب وشي إلا أن هذا التوتر يؤكد أن القطاع البحري أصبح جبهة رئيسية في المواجهة الجيوسياسية
رغم أن العقوبات الصينية على صناعة بناء السفن ردّاً على تحقيق المادة 301 ستُرفع نتيجة اجتماع ترامب وشي، بما في ذلك إلغاء الإجراءات المفروضة على هانوا أوشن على الأرجح، إلا أن تحركات بكين التي استهدفت مبادرة “ماسغا” لا تزال تُبرز المخاطر المحتملة، وقد تترتب هذه المخاطر في المستقبل القريب للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين والأمن الإقليمي، وتشكل تهديداً واقعياً لجاهزية البحرية الأمريكية وقدرتها على بناء السفن عبر محورين رئيسيين: صيانة السفن واستقرار سلسلة التوريد.
أولاً، حصلت شركة هانوا أوشن على عقود من البحرية الأمريكية لتنفيذ أعمال الصيانة والإصلاح والتجديد الشامل للسفن البحرية الأمريكية، حيث أنهت هانوا إعادة تجديد سفينة الإمداد USNS Wally Schirra التابعة للقيادة البحرية لنقل القوات الأمريكية في حوضها الجنوبي الشرقي في كوريا في مارس الماضي، بعد سبعة أشهر من استلام أول طلبية لها من الجيش الأمريكي، ومنذ ذلك الحين، أمنت هانوا أوشن عقدين إضافيين لأداء أعمال الصيانة من البحرية الأمريكية، ما يعزز فرصها لتصبح لاعباً رئيسياً في صناعة بناء السفن البحرية الأمريكية.
وعانت صناعة بناء السفن في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة من عدم القدرة على تلبية الطلب المتزايد على بناء السفن البحرية، نتيجة قيود قدرة الأحواض البحرية والتحديات المستمرة المتعلقة بالقوى العاملة، وبالتالي، كان من الممكن أن تتداخل العقوبات مع عمليات الحوض، ما يؤدي إلى تأخير جداول أعمال الصيانة الحيوية ويؤثر على الجاهزية التشغيلية للسفن البحرية الأمريكية، لو لم تُرفع بعد اجتماع ترامب وشي.
ثانياً، أوجدت العقوبات خطراً أوسع يتمثل في تعطيل سلسلة الإمداد لصناعة السفن الأمريكية، حيث هددت العقوبات زيادة تكلفة وتعقيد تأمين المواد لعمليات هانوا في الولايات المتحدة، ما كان سيعيق المبادرة الأمريكية الشاملة لتعزيز قاعدة صناعية محلية تنافسية عالمياً وقادرة على دعم متطلبات البحرية الأمريكية، حيث كان الهدف من هذه الإجراءات إحداث تأثير رادع على الاستثمارات المستقبلية للحلفاء في قاعدة الدفاع الصناعي الأمريكية، من خلال تحويل شركة كورية جنوبية رئيسية إلى مثال تحذيري مع تعطيل نقل المعرفة الحيوية في بناء السفن اللازمة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للبحرية الأمريكية.
في حين أن قانون جونز يفرض على بعض السفن البحرية استخدام الفولاذ الأمريكي، لا تزال الصين تمثل جزءاً كبيراً من سلسلة توريد شركات بناء السفن الكورية الجنوبية، خصوصاً في المكوّنات منخفضة التكلفة وعالية الإنتاج،
وبالتالي، كان أمر العقوبات يمكن أن يكون عبئاً تنظيمياً إذ كان من المحتمل أن يقوم الموردون الصينيون للمكونات، خشية التعرض لعقوبات ثانوية أو للإدراج في القوائم السوداء من جانب بكين، بفرض حظر ذاتي حذر على توريد أي مكونات للمشروعات الأمريكية المرتبطة بشركة هانوا.
هذا التحوّل القسري كان من شأنه أن يزيد في نهاية المطاف من تكلفة وتعقيد الإنتاج في مرافق مثل حوض فيلي لبناء السفن، إذ كانت هانوا ستُضطر إلى إعادة تأمين هذه المكونات فوراً ومن مصادر بديلة غير صينية، وغالباً من شركات أمريكية أو أوروبية أو يابانية، والتي تفرض أسعاراً أعلى نظراً لاختلاف تكاليف العمالة وانخفاض حجم الإنتاج.
ووفقًا لتقديرات عضو البرلمان الكوري الجنوبي يو يونغ وون، فإن العقوبات الصينية كانت ستُكبّد حوض فيلادلفيا خسائر محتملة تُقدّر بنحو 60 مليون دولار خلال العامين المقبلين، نتيجة الاضطرابات في سلسلة التوريد وتأخّر عمليات التسليم.

فرصة كوريا الجنوبية في الولايات المتحدة
يُرجَّح أن العقوبات الصينية على شركة هانوا أوشن ستُحدث أثراً عكسياً وعميقاً على التموضع الاستراتيجي لكوريا الجنوبية، فبدلاً من ثني الشركات الكورية عن التعاون مع الولايات المتحدة، سلّطت إجراءات بكين الضوء على المخاطر الجيوسياسية للاعتماد على الصين من أجل الاستقرار الاقتصادي.
وتذكّر هذه المخاطر سيؤول بما واجهته من عقوبات غير رسمية صينية عقب سماحها لواشنطن بنشر نظام الدفاع الصاروخي المتطور (ثاد) على أراضيها عام 2016، وقد دفعت تلك الإجراءات كوريا الجنوبية إلى تعزيز تعاونها مع الولايات المتحدة في مواجهة النفوذ الصيني في المنطقة.
تواجه الولايات المتحدة نقصاً حاداً في قدراتها المحلية على بناء السفن وصيانتها، وهي مشكلة تتضح من خلال حقيقة أن حصة الولايات المتحدة لا تتجاوز واحداً في المئة من الإنتاج التجاري العالمي، إضافة إلى ذلك، تعاني البرامج البحرية الأمريكية الرئيسية من تأخيرات تمتد لسنوات وتجاوزات كبيرة في التكاليف، حيث تعود هذه الانتكاسة الصناعية إلى عقود من تراجع الدعم الحكومي والنقص الحاد في الأيدي العاملة الماهرة وتراجع البنية التحتية لأحواض بناء السفن عن التطوير والتحديث.
تواجه أمريكا نقصاً حاداً في قدراتها المحلية على بناء السفن وصيانتها وهذه المشكلة تتضح من أن حصتها لا تتجاوز 1% من الإنتاج التجاري العالمي
وفقاً لبيانات مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، لم تبنِ أحواض بناء السفن الأمريكية في عام 2024 سوى خمس سفن تجارية كبيرة للملاحة في المحيطات، بإجمالي 76 ألف طن إجمالي فقط، في المقابل، قامت شركة الصين لبناء السفن الحكومية وحدها بتسليم أكثر من 250 سفينة في العام نفسه، بإجمالي 14 مليون طن، وهو ما يفوق حمولة صناعة بناء السفن الأمريكية بأكملها منذ الحرب العالمية الثانية.
كما عززت قدرة أحواض بناء السفن الصينية القوية أسطولها البحري بسرعة، ووصف تقرير صادر عن البنتاغون في ديسمبر أسطول البحرية الصينية بأنه الأكبر في العالم، بقوة قتالية تزيد عن 370 سفينة وغواصة، بما في ذلك أكثر من 140 سفينة حربية سطحية رئيسية، على عكس البحرية الأمريكية، التي تمتلك أقل من 300 سفينة.
ورداً على ذلك، شدّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مراراً منذ بداية ولايته الثانية على أهمية إعادة بناء القاعدة الصناعية الأمريكية لصناعة السفن الحربية، ودعا إلى استثمارات رأسمالية ضخمة وإلى تعاون مع الحلفاء الذين يمتلكون قدرات كبيرة في بناء السفن، مثل كوريا الجنوبية واليابان، حيث تُعد كوريا الجنوبية على وجه الخصوص شريكاً استراتيجياً رئيسياً، نظراً إلى مكانتها كثاني أكبر دولة في العالم في صناعة السفن، وما تمتلكه من تقنيات متقدمة وعمليات تصنيع عالية الكفاءة.
ووفقاً لبيانات شركة الأبحاث البحرية كلاركسونز ريسيرش، استحوذت الصين في عام 2024 على 75 % من الطلبات العالمية لبناء السفن، تلتها كوريا الجنوبية في المرتبة الثانية بنسبة 14% ، إلا أن هيمنة الصين في مجال بناء السفن بدأت تتراجع، إذ انخفضت حصة الصين من الطلبات الجديدة عالمياً إلى 56% خلال النصف الأول من هذا العام، في حين ارتفعت حصة كوريا الجنوبية إلى 30%.
يعكس انتعاش كوريا الجنوبية جهود إدارة ترامب لتعزيز قدرات بناء السفن الأمريكية، وخصوصاً لتلبية متطلبات البحرية الأمريكية، من خلال التعاون مع شركات بناء السفن في الدول الحليفة، لا سيما كوريا الجنوبي، وكما يتضح في مشروع “ماسغا”، فقد التزمت كوريا الجنوبية باستثمارات كبيرة في قطاع بناء السفن الأمريكي، وهو ما تجسّد في استحواذ شركة هانوا أوشن على حوض فيلي لبناء السفن.
تُعد الخبرة الكورية الجنوبية أساسية لتحديث البنية التحتية لأحواض بناء السفن الأمريكية، حيث يمكن لنقل التكنولوجيا وتدريب الكوادر أن يُسرّع إنتاج السفن التجارية وسفن الدعم البحري، وهو ما يساهم بشكل حاسم في معالجة التأخيرات القائمة في صيانة وتجديد أسطول البحرية الأمريكية، حيث تهدف هذا الشراكة إلى إقامة سلسلة إمداد وقاعدة صناعية عسكرية متينة للحلفاء، تكون أقل عرضة لهيمنة السوق والضغوط الجيوسياسية التي تمارسها بكين.
الشراكة بين سيؤول وواشنطن تهدف إلى إقامة سلسلة إمداد وقاعدة صناعية عسكرية متينة للحلفاء تكون أقل عرضة لهيمنة السوق وضغوط بكين
صحيح أن العقوبات كان من الممكن أن تتسبب في ارتفاع التكاليف بشكل يهدد مباشرة الهدف الأساسي للولايات المتحدة المتمثل في بناء قاعدة صناعية محلية قادرة على المنافسة عالمياً، وأنها كانت ستعطّل هدف مبادرة “ماسغا” في احتواء التوسع البحري السريع للصين، إلا أنها أدخلت ديناميكياتٍ مضادة تعزز التموضع الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، فالطابع السياسي للضغط الذي مارسته بكين ضد هانوا أوشن يجبر كلاً من واشنطن وسيؤول على تسريع تقليل المخاطر من خلال الإسراع في إقامة سلاسل إمداد آمنة وغير صينية ودمج صناعي متين.
العقوبات: مؤشر على المخاطر الجيوسياسية
بالتالي، فإن الضغط الصيني يؤكد لسيؤول أن المصالح الاقتصادية يمكن أن تُستغل ضد مصالحها الأمنية، ما يزيد الإرادة السياسية الداخلية لدعم قاعدة صناعية دفاعية متمحورة حول الولايات المتحدة، ويعمل، من باب المفارقة، كمسرّع لتقارب كوريا الجنوبية مع الولايات المتحدة في المجال الصناعي الدفاعي، فعلى الرغم من أن بكين كانت تهدف إلى إبعاد سيؤول عن المبادرات الأمريكية في بناء السفن، فإن استخدامها للأدوات الاقتصادية ضد شركة بناء سفن رئيسية يبرز هشاشة الاعتماد على الصين للنمو الاقتصادي مع الحفاظ على التحالف الأمني مع الولايات المتحدة.
بدلاً من ردع التعاون، تُعدّ العقوبات مؤشراً على المخاطر الجيوسياسية لسيؤول، إذ تُظهر أن الصين لن تتسامح مع حلفائها عند مشاركتهم في جهود الولايات المتحدة للحد من القوة الصناعية الصينية.
وتجبر العقوبات كوريا الجنوبية على الاعتقاد بأن أعلى درجات الأمن على المدى الطويل تكمن في تعميق الروابط التكنولوجية والصناعية مع الولايات المتحدة وشركاء آخرين متحالفين، لبناء سلاسل إمداد مقاومة وذات سيادة، خصوصاً في القطاعات مزدوجة الاستخدام مثل بناء السفن المتقدمة، حيث تتقاطع المصالح الدفاعية والتجارية.
من المرجح أن تؤدي هذه الحادثة إلى إعادة تقييم استراتيجية في سيؤول، ما يعزز الإرادة السياسية الداخلية لدعم أطر الأمن الاقتصادي التي تقودها الولايات المتحدة، حيث تؤكد العقوبات صحة الحجة الأمريكية القائلة بضرورة تقليل المخاطر، وتشجع المجموعات الكورية الجنوبية الكبرى الأخرى، مثل “اتش دي هيونداي”، التي تستكشف الاستثمار في الولايات المتحدة، إضافة إلى دول حليفة أخرى بما فيها اليابان، على تسريع خططها لدخول صناعة بناء السفن الأمريكية، مع التركيز على العقود الدفاعية المحمية والمربحة للغاية.
علاوة على ذلك، تعزز هذه الإجراءات الموقف الدبلوماسي الأمريكي القائل بأن الصين تمارس ضغوطاً اقتصادية على حلفائها، ما يبرر إقامة آليات تعاون ثنائية أقوى لحماية الشركات الكورية الجنوبية من أي انتقام مستقبلي، وفي نهاية المطاف، بمحاولتها معاقبة مشاركة كوريا الجنوبية في القاعدة الصناعية الأمريكية، أكدت الصين ضرورة التحالف الأمريكي-الكوري الجنوبي باعتباره الضامن الوحيد الموثوق للأمن القومي والاستقلال الصناعي في مواجهة الضغوط الاقتصادية القسرية.
معاقبة بكين لسيؤول يؤكد ضرورة التحالف الأمريكي-الكوري الجنوبي باعتباره الضامن الوحيد الموثوق للأمن القومي والاستقلال الصناعي في مواجهة الضغوط الاقتصادية القسرية
تُشدد العقوبات على ضرورة التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية لضمان أمن سلسلة التوريد، لا سيما في قطاعي بناء السفن والتكنولوجيا الاستراتيجيين للغاية، وبالنسبة لشركة هانوا أوشن وغيرها من شركات بناء السفن الكورية الجنوبية، تُثبت هذه الخطوة صحة الاستراتيجية طويلة المدى الرامية إلى تأمين عقود دفاعية أمريكية مربحة ومحمية، مثل صيانة السفن وبناء السفن المستقبلية، كبديل موثوق لسوق الصين المتقلب.

السيناريو الأول: تسريع تكامل التحالفات وتنويع مصادر الإمداد
قد تدفع العقوبات على شركة هانوا أوشن كوريا الجنوبية إلى تعزيز تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، لمواجهة نفوذ بكين، ومن المحتمل أن تسارع سيؤول تنفيذ مبادرة “ماسغا” عبر دعم مالي وتسهيلات تنظيمية للمقاولين الدفاعيين.
كما ستعمل الولايات المتحدة على تعزيز أمن سلاسل الإمداد ونقل التكنولوجيا إلى كوريا الجنوبية، بما يخلق بديلاً عن الاعتماد على الصين، وستولي الدولتان أولوية لتعدد مصادر الإمداد وتقليل الاعتماد على المكونات الصينية في سلاسل الإمداد البحرية والدفاعية، بما في ذلك أعمال الصيانة والتجديد .
السيناريو الثاني: الاستقرار التفاوضي وتقليل المخاطر الاستراتيجية
يساهم تعليق العقوبات الصينية على فروع شركة هانوا أوشن في الولايات المتحدة في حل الأزمة التنظيمية لمبادرة “ماسغا”، ومع ذلك، فإن هذا الارتياح المؤقت يبرز هشاشة هانوا تجاه المكونات الصينية، حيث ستستغل الشركة هذه الفترة لتنويع سلسلة إمدادها بعيداً عن الصين، مع إعطاء الأولوية للمشاركة الطويلة المدى في القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية على حساب التوفير في التكاليف قصيرة المدى، ما يعزز الاكتفاء الذاتي لمبادرة “ماسغا”.
السيناريو الثالث: التردد الاستراتيجي وتوسيع محدود للشركاء
قد تُثني العقوبات الصينية المفروضة على شركة هانوا أوشن شركات كورية جنوبية أخرى، مثل إتش دي هيونداي، عن الاستثمار في قطاع الدفاع الأمريكي، خشيةً من تداعيات ذلك على تجارتها مع الصين، وسيؤدي ذلك إلى إعاقة جهود الولايات المتحدة لإحياء صناعتها وتقليص الفجوة في بناء السفن مع الصين، ما يتركها معتمدة على عدد محدود من الشركاء مثل هانوا فقط.
بالمحصلة، تمثل حالة “هانوا أوشن” تجسيداً لتقاطع السياسة الصناعية والاستراتيجية البحرية وتحالفات القوى، في ساحة واحدة للصراع بين القوى العظمى، ما سيحدد شكل التنافس بين الولايات المتحدة والصين في السنوات القادمة.




