محور بكين–بيونغ يانغ والتحوّل في “الهندي والهادئ”

تقرير
بوتين و شي جين بينغ وكيم لدى وصولهم إلى ميدان تيانانمن لحضور العرض العسكري (أ ف ب)
بوتين و شي جين بينغ وكيم لدى وصولهم إلى ميدان تيانانمن لحضور العرض العسكري (أ ف ب)
ﺷﺎرك

عكست مراسم العرض العسكري الصيني، في 3 سبتمبر 2025، طموح بكين في أن تكون الركيزة الأساسية للمعسكر المناهض للهيمنة العالمية للولايات المتحدة، وقد برزت هذه الطموحات في مشاهد عدة، إذ استعرض جيش التحرير الشعبي الصيني  للمرة الأولى الثلاثي النووي الذي يمتلكه، المكون من صواريخ باليستية عابرة للقارات تُطلق من البر، وأخرى تُطلق من الغواصات، وقاذفات قنابل قادرة على حمل رؤوس نووية، وبلغت رمزية الرسالة ذروتها عندما ظهر الرئيس الصيني شي جين بينغ في ميدان تيانانمن محاطاً بأوثق حلفائه: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى يمينه، والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون إلى يساره.

للمرة الأولى منذ عام 1959، يقف قادة الصين وروسيا وكوريا الشمالية معاً في عرض عسكري صيني، ورغم أن شي جين بينغ حافظ على مواصلة لقاءاته الشخصية مع فلاديمير بوتين منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أن حضور كيم جونغ أون إلى بكين أثار انتباه المراقبين، إذ أنها أول زيارة له إلى الصين منذ ست سنوات، كما أن ظهوره في هذا السياق ضمن حدث يجمع قادة دول عدة يُعدّ أمراً نادراً، ما يؤكد الدور المتنامي لبكين في إعادة بيونغ يانغ إلى الواجهة.

العرض العسكري الصيني في 3 سبتمبر 2025 سلّط الضوء على طموح بكين في أن تكون الركيزة الأساسية للمعارضة الدولية للهيمنة الأمريكية

العلاقات بين كوريا الشمالية والصين تعود إلى مسارها

رغم أن الصين كانت الحليف الأقرب لكوريا الشمالية والداعم الاقتصادي الأبرز لها، وتستحوذ على أكثر من 90% من تجارتها، إلا أن العلاقات بين البلدين شهدت في السنوات الأخيرة تباعداً، خاصة بعد أن حققت بيونغ يانغ تقدماً كبيراً في التفافها على العقوبات الدولية من خلال التعاون العسكري مع روسيا، حيث تبادلت فيه القوات والأسلحة مع موسكو مقابل الحصول على تكنولوجيا عسكرية متقدمة.

في الوقت الذي يزداد فيه التقارب بين كيم وبوتين، فإن بكين حافظت على موقفها المحايد من هذا التحالف، خشية أن يؤدي انخراطها فيه إلى رد فعل أمريكي أكثر حدة، ما قد يشكّل عائقاً كبيراً أمام طموحاتها في تعزيز مكانتها كقوة عالمية.

ونتيجة لذلك، لم يُعقد أي اجتماع ثنائي بين شي وكيم منذ يونيو 2019، بينما عقد الزعيمان الروسي والكوري الشمالي قمتين ثنائيتين قبل العام الجاري، الأولى في أقصى الشرق الروسي في سبتمبر 2023، والثانية في بيونغ يانغ في يونيو 2024.

ومع ذلك، تشير زيارة كيم إلى الصين ولقاؤه مع شي، إلى أن العلاقات بين الصين وكوريا الشمالية قد دخلت مرحلة جديدة من التقارب، ومن خلال مشاركته في العرض العسكري، لم يتمكن كيم من ضمان وتأكيد تعاون الصين فحسب، بل عزز مكانته عالمياً كأحد الركائز الأساسية لجهود بكين في تحييد قدرة الولايات المتحدة على بسط نفوذها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

زيارة كيم إلى بكين ولقاؤه مع شي تشير إلى أن العلاقات بين الصين وكوريا الشمالية قد دخلت مرحلة جديدة من التقارب

لماذا تُعد كوريا الشمالية مهمة للصين والمنطقة؟

في الواقع، يعتبر استعادة العلاقات مع كوريا الشمالية أمراً ضرورياً لبكين لتحقيق هذا الهدف، ورغم أن تطوير كوريا الشمالية لأسلحة نووية قد يؤدي إلى انتشار السلاح النووي في كل من كوريا الجنوبية واليابان وتايوان، إلا أن ذلك يكشف عن ضعف بكين في استعراض قوتها في المنطقة، ويُضيف بُعداً جديداً من التعقيد إلى خططها الاستراتيجية والتكتيكية لإعادة توحيدها مع تايبيه، وبالقوة إذا لزم الأمر.

تساهم كوريا الشمالية أيضاً في تحقيق الهدف الاستراتيجي للصين المتمثل في الحفاظ على الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية، فمن خلال ضمان أمن نظام حكم عائلة كيم، وعدم التدخل في برنامج بيونغ يانغ النووي، واستمرار دعمها الاقتصادي، تعزز الصين دور كوريا الشمالية كمنطقة عازلة في مواجهة كوريا الجنوبية، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة، وتقليل المخاطر التي قد تهدد سلامة أراضيها.

الرئيس الصيني يتفقد القوات خلال عرض عسكري أقيم في ميدان تيانانمن في بكين (أ ف ب)

لذلك، فإن استعادة العلاقات بين كوريا الشمالية والصين تحمل ثلاث دلالات رئيسية لواشنطن وحلفائها:

 أولاً: حوارات متباعدة

لا تزال مقاربة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفتح الحوار مع القادة السلطويين، مثل بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وكيم لاستئناف المفاوضات بشأن نزع السلاح النووي، بهدف احتواء الصين وعزلها عن تعزيز تعاونها مع شركائها، تواجه عقبات مستمرة.

منذ توليه الحكم، عبر ترامب مراراً عن نيته بالتفاوض مع بوتين وكيم، وقد تحقق ذلك خلال الشهر الماضي بألاسكا، بينما لم يتحقق الثاني بعد، حيث رفضت بيونغ يانغ العرض الأمريكي لاستئناف محادثات نزع السلاح النووي، عندما صرّحت كيم يو جونغ، شقيقة كيم، علناً بأن على الولايات المتحدة أن تعترف بكوريا الشمالية كدولة نووية، وألمحت إلى أن العلاقة الشخصية بين زعيمي البلدين، قد تُمهّد الطريق لاستئناف الحوار بشأن نزع السلاح النووي، ولم يتغير هذا الموقف حتى الآن.

بيونغ يانغ رفضت خلال الأشهر الماضية اقتراح الولايات المتحدة لاستئناف محادثات نزع السلاح النووي عندما طالبت كيم يو جونغ شقيقة كيم علناً بأن تعترف واشنطن بكوريا الشمالية كدولة نووية

في الواقع إن آمال ترامب في الدبلوماسية مع كيم لنزع السلاح النووي بالكامل، وحتى المفاوضات مع بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا، تواجهان حالة من الجمود، إذ عززت كوريا الشمالية وروسيا علاقاتهما مع الصين، مع وضع حواراتهما مع واشنطن جانباً باعتبارها ضرورية فحسب.

 تصالح كوريا الشمالية مع بكين، قد يتيح لها تحقيق مكاسب اقتصادية إضافية، مثلما حصلت على نقل التكنولوجيا العسكرية من روسيا لتعزيز برنامجها النووي، وقد تمت هذه التطورات جميعها دون مشاركة فعّالة من الولايات المتحدة

تلتزم روسيا الحذر في الكشف عن نتائج قمة ألاسكا، فبدلاً من إجراء مفاوضات ثنائية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، كما كان متفقاً عليه مع الولايات المتحدة، ظهر بوتين في بكين ليؤكد مجدداً دعم روسيا لكوريا الشمالية بقيادة كيم، وتعزيز العلاقات مع الصين بقيادة شي.

 ومع ذلك، لا يبدو أن التعاون بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية قد يتطور إلى شراكة ثلاثية، كما هو الحال بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، ويُستدل على ذلك من غياب أي اجتماع ثلاثي بين شي وبوتين وكيم، إلا أن تقاربهم القائم على المصلحة المشتركة يشير إلى أن محاولتهم لتشكيل جبهة مناهضة للولايات المتحدة قد تزداد قوة، ما يُصعّب على واشنطن الحفاظ على حضورها الاستراتيجي في المنطقة.

يشكل هذا التطور في الديناميكيات معضلة كبيرة لأمريكا، إذ يفرض عليها ضرورة تحقيق التوازن بين تعزيز التعاون والشراكة في منطقة المحيطين الهندي لمواجهة نفوذ خصومها المتزايد، دون أن يؤدي ذلك من غير قصد إلى زيادة الضغط الأمني على بكين وموسكو وبيونغ يانغ، لأن ذلك قد يعزز تحالف هذه الدول الثلاث في مواجهة النفوذ الأمريكي، ويساهم في تقويض المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة أكثر من ذي قبل.

 ثانياً: التسليح النووي والصاروخي:

إن تعزيز كوريا الشمالية لتعاونها العسكري مع روسيا واستعادة علاقاتها الثنائية مع الصين قد أدّى إلى تعقيد واحتمال شلل أكبر في مسار نزع السلاح النووي من بيونغ يانغ، بل وأسهم في زيادة التهديدات العسكرية ضد الولايات المتحدة وحلفائها.

قبل يوم من زيارته إلى الصين، زار كيم المصنع الذي يُنتج المواد الخاصة بصواريخ بلاده، بما في ذلك المحركات اللازمة لصاروخي هواسونغ-19 وهواسونغ-20 الباليستيين العابرين للقارات، واللذين يُقال إن مداهما التشغيلي يبلغ 15,000 كيلومتر، وهو مدى كافٍ لتغطية كامل أراضي الولايات المتحدة، وفقاً لوسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية.

 كما أشرف كيم على اختبار المحرك الذي يُعتقد أنه مخصص للصاروخ الجديد هواسونغ-20، وذلك بعد أيام قليلة من عودته من الصين، ما يشير إلى أن كوريا الشمالية تواصل تطوير قواتها الصاروخية بعيدة المدى، كما يُشتبه في أن برنامج بيونغ يانغ الصاروخي خلال العامين الماضيين استفاد من الدعم التكنولوجي الروسي، وسط تقارير تفيد بإمكانية تورّط عناصر كورية شمالية في الصراع الدائر في أوكرانيا.

كما عرضت الصين أحدث صواريخها الباليستية العابرة للقارات، بما في ذلك DF-5C وDF-61، والتي يُقدّر أن مداها التشغيلي يزيد عن 13,000 كيلومتر، وهي قادرة أيضاً على الوصول إلى الأراضي القارية للولايات المتحدة، وفقاً لوسائل الإعلام الرسمية الصينية.

  الصين قدمت خلال العرض العسكري أحدث صواريخها الباليستية العابرة للقارات بما في ذلك “دي إف-5سي” و”دي إف-61″ التي تُقدّر مداها التشغيلي بأكثر من 13,000 كيلومتر ما يجعلها قادرة على الوصول إلى الأراضي الأمريكية  

كما كشفت الصين عن صواريخها الفرط صوتية الجديدة، مثل DF-26D، وهو أحد طرازات سلسلة DF-26 التي أُطلق عليها لقب “قاتل غوام” بسبب مداها البالغ 5,000 كيلومتر، والذي يتيح لها استهداف القواعد الجوية والبحرية الأمريكية الرئيسية في غوام، وذلك بحسب تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية بشأن تطورات القدرات العسكرية الصينية.

 قدّر تقرير البنتاغون الصادر في ديسمبر من العام الماضي أن لدى الصين نحو 400 صاروخ باليستي عابر للقارات، وأنها ستملك أكثر من 1,000 رأس نووي بحلول عام 2030، كما ذكر تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) الصادر في يونيو أن الصين تمتلك الآن ما لا يقل عن 600 رأس نووي، وأن ترسانتها النووية “تنمو بوتيرة أسرع من أي دولة أخرى.”

وتشير هذه التطورات الصاروخية من كوريا الشمالية والصين إلى أن بيونغ يانغ لا تنوي التخلي عن أسلحتها النووية، وأن بكين ستستمر في تعزيز قدراتها الردعية النووية عبر تطوير قدراتها الصاروخية، وكذلك سد الفجوة النووية والصاروخية مع الولايات المتحدة.

كما يُظهر ذلك أن هذه القوات الصاروخية من الصين وكوريا الشمالية، بالإضافة إلى الدعم التكنولوجي الروسي، تم تضخيمها لتشكيل جبهة مشتركة لمواجهة الوجود العسكري الأمريكي، لكن مثل هذا التحالف سيشكل تحدياً كبيراً للاستقرار الإقليمي والأمن العالمي، ما يتطلب رداً استراتيجياً منسقاً من الولايات المتحدة وحلفائها للحفاظ على توازن القوى وردع أي عدوان أو أمر طارئ محتمل.

تُشكّل القدرات المتزايدة لهذه الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، التي تهدد سلامة الأراضي القارية للولايات المتحدة، إلى جانب التحالف الاستراتيجي الظاهر بين الصين وكوريا الشمالية، معضلة أمنية متزايدة للولايات المتحدة وحلفائها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهذا التصعيد يدفع إلى ضرورة إعادة تقييم استراتيجيات الردع الحالية، ما قد يتطلب زيادة الاستثمارات في أنظمة الدفاع الصاروخي وتعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية.

ثالثا: التعاون الثلاثي بين أمريكا وكوريا الجنوبية واليابان

بالإضافة إلى المسارين السابقين أصبح إنشاء منظومات الدفاع الصاروخي وزيادة نشر الأصول الاستراتيجية الأمريكية بشكل متكرر في منطقة آسيا والمحيط الهادئ من خلال التعاون الثلاثي مع سيؤول وطوكيو من أولويات الولايات المتحدة.

ومع قيام الصين في تحديث قواتها العسكرية لتوسيع نفوذها في المنطقة، وزيادة التعاون العسكري بين كوريا الشمالية وروسيا، تزداد حاجة الولايات المتحدة إلى تعزيز التعاون مع حلفائها في آسيا لا سيما كوريا الجنوبية واليابان، عبر إجراء المزيد من المناورات العسكرية المشتركة.

رغم أن الدول الثلاث وافقت على إضفاء الطابع المؤسسي على التدريب العسكري المشترك الثلاثي لها، وفقاً لمبادئ كامب ديفيد التي تم الاتفاق عليها خلال فترة رئاسة بايدن في أغسطس 2023، إلا أنها بحاجة إلى تعزيز التنسيق والتعاون بينها عبر إجراء تدريبات أكثر تكراراً وواقعية، بهدف محاكاة الاستجابة لحالات الطوارئ المختلفة، مثل الهجمات الصاروخية والتهديدات الإقليمية.

وخلافاً لتركيز إدارة بايدن السابقة على التعاون مع الحلفاء، فإن الضغوط التي مارستها إدارة ترامب على هذه الدول أثارت مخاوف واسعة، فمطلب ترامب من الدول الحليفة بزيادة نفقاتهم الدفاعية يُنظر إليه على أنه يُهدد علاقات الولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية واليابان، فضلاً عن التعاون الثلاثي بينهم.

 كما دفع عدم اليقين بشأن التزام واشنطن بمساعدة الدول الثلاث في أي مواجهة مسلحة محتملة مع الصين وكوريا الشمالية، إلى مناقشات جادة حول ضرورة دراسة هاتين الدولتين إمكانية تطوير أسلحة نووية خاصة بهما.

حالة عدم اليقين بشأن التزام واشنطن بتقديم الدعم في أي مواجهة محتملة مع الصين وكوريا الشمالية أثارت نقاشات حول مدى حاجة البلدين إلى دراسة إمكانية بناء ترسانتهما النووية الخاصة

ومع ذلك، فإن تعزيز القدرات الدفاعية الذاتية لحليفي الولايات المتحدة في آسيا لمواجهة التهديدات الصينية والكورية الشمالية سيزيد بدوره من احتمالية الردع والاستجابة المبكرة لأي طارئ محتمل في شمال شرق آسيا قبل تدخل القوات الأمريكية.

ونظراً لأن الصراع المحتمل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لن يقتصر على جبهة واحدة، بل من المرجح أن يمتد إلى جبهات متعددة، مثل: مضيق تايوان، وبحر الصين الجنوبي، وشبه الجزيرة الكورية، فإن تعزيز دفاع الحلفاء عن أنفسهم سيؤدي إلى تعزيز قدراتهم الدفاعية بشكل عام، ما يسمح لواشنطن بتركيز قواتها ضمن استراتيجية احتواء الصين، ويعزز من قوة الردع من خلال التعاون الثلاثي.

في نهاية المطاف، وعبر تعميق تعاونهم العسكري، يمكن للولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان أن تُشكّل جبهةً أكثر توحداً وقوة، حيث أجرت الجولة الثالثة من مناورات “حافة الحرية” الثلاثية المشتركة هذا الشهر، وهي أول مناورة من هذا النوع بعد تولي ترامب والرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ السلطة هذا العام.

تُعد هذه الشراكة الثلاثية أمراً بالغ الأهمية لردع العدوان من الخصوم المُحتملين والحفاظ على توازن قوى مستقر، ما يُمكنه من معالجة التحديات الأمنية المُعقدة بفعالية، بما في ذلك تهديدات الصواريخ الباليستية ومخاوف الأمن البحري في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لذلك فإن تعزيز التحالف لن يقوي القدرات الدفاعية للدول الثلاث فحسب، بل سيُرسل رسالة واضحة مفادها أن الالتزام بالاستقرار الإقليمي لا يتزعزع.

المشهد القادم

في المرحلة المقبلة، لا شك أن المشهد الجيوسياسي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ سيتأثر بشكل كبير بهذه التحالفات المتغيرة والديناميكيات الأمنية المتسارعة، كما يتضح من مصالحة كوريا الشمالية مع الصين وتعزيز تعاونها العسكري مع روسيا، حيث يعكس تزايد التهديدات، لا سيما تلك المتعلقة بالصواريخ الباليستية، ضرورة تبني الولايات المتحدة وحلفائها نهجًا أكثر تكاملًا ومرونة، ومن الممكن أن تشمل أوجه التعاون الثلاثي في ​​المستقبل استخدام التقنيات المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي والأنظمة الآلية، لمواجهة التهديدات الناشئة.

يُظهر تطور تحالفات الدول وقدراتها العسكرية تناقضاً مع الهيمنة التاريخية للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إذ يُعدّ العرض العسكري في بكين، إلى جانب استعادة العلاقات بين الصين وكوريا الشمالية، دليلاً واضحاً على التسارع في إعادة توزيع القوة العالمية.

وحدات المدفعية الصاروخية خلال العرض العسكري الصيني (أ ف ب)
السيناريوهات المستقبلية
أولاً: تعزيز التحالف المناهض للولايات المتحدة (على المدى القصير):

تعمد الصين وروسيا وكوريا الشمالية إلى تعميق تعاونها العسكري والاقتصادي، بإضفاء الطابع الرسمي على موقفها المناهض للولايات المتحدة من خلال تدريبات عسكرية مشتركة محتملة أو زيادة في نقل الأسلحة، وسيؤدي ذلك إلى مطالبة واشنطن لكل من كوريا الجنوبية واليابان بزيادة إنفاقهما الدفاعي، وربما إلى 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، كما حدث مع كندا والدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو.

هذه التطورات ستدفع إلى تبنّي استراتيجية ردع أمريكية أكثر قوة وتكاملاً مع الحلفاء، قد تشمل توسيع نشر أنظمة الصواريخ الأمريكية المتوسطة أو متوسطة المدى، سواء لأغراض الدفاع الجوي أو البحري، في قواعدها داخل دول حليفة في دول آسيا والمحيط الهادئ مزودة بقدرات مضادة للطائرات أو السفن.

ثانياً: الخروج من الأزمة عبر القنوات الدبلوماسية (على المدى المتوسط):

إذا استمرت المعضلة الأمنية بين الولايات المتحدة والصين أو كوريا الشمالية، فقد تلجأ قيادة الدولة السلطوية إلى خيار تهدئة التوتر، كما فعل كيم في عام 2018 عندما تواصل مع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة للحوار بعد أن لاحظ تشديد العقوبات الدولية والتهديدات الأمنية الصادرة عن واشنطن في أعقاب تجاربها النووية الثلاث في عامي 2016 و2017.

قد تفتح هذه المحاولات آفاقاً جديدة لمحادثات نزع السلاح النووي أو مناقشات ضبط الأسلحة، ما يتيح للولايات المتحدة اتباع استراتيجية أكثر توازناً بين الانخراط الدبلوماسي والحفاظ على دفاعات قوية بالتعاون مع حلفائها.

ثالثاً: انتشار الأسلحة النووية إقليمياً (على المدى المتوسط)

إذا استمرت إدارة ترامب في ممارسة الضغط من خلال التلويح بتقليص التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن كوريا الجنوبية واليابان ما لم تقوما بزيادة كبيرة في إنفاقهما الدفاعي، فقد تسعى سيؤول وطوكيو إلى تطوير ترسانتهما النووية الخاصة لأغراض الدفاع الذاتي والردع النووي، في مواجهة التقدم المستمر في البرامج النووية والصاروخية لكل من الصين وكوريا الشمالية.

كما سيؤدي ذلك إلى تغيّر جذري في المشهد الأمني الإقليمي، ما يستدعي إعادة تقييم شاملة لسياسات عدم الانتشار النووي الأمريكية، إلى جانب بذل جهد جماعي لطمأنة الحلفاء بشأن التزام واشنطن المستمر بسياسة الردع الموسع.

 بالمحصلة، ستحدد طبيعة العلاقات بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية، بالإضافة إلى مستوى التعاون بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، ميزان القوى الاستراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث سيظل الحفاظ على قدرة ردع فعالة مع إتاحة المجال للحلول الدبلوماسية هو السبيل الوحيد الأمثل، وستكون القرارات التي ستتخذ خلال العام المقبل حاسمة في تحديد ما إذا كان التنافس سيبقى تحت السيطرة أم سيتحول إلى أزمة.

سونغ هيون تشوي

سونغ هيون تشوي

باحث في المعهد المركزي الأوروبي للدراسات الآسيوية (CEIAS)، ومتخصص في الشؤون العسكرية الصينية، والسياسة الخارجية والنووية لكوريا الشمالية، والتعاون الدفاعي بين كوريا الجنوبية وأوروبا.
موضوعات أخرى
تقرير
تقرير
تقرير
تقرير
تقرير
تقرير
تقرير
تقرير
Eagle Intelligence Reports
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.