غزة وطموح تركيا للنفوذ الإقليمي

تقرير
ﺷﺎرك

موقف تركيا من الحرب في غزة لا يقتصر على كونه مسألة تتعلق بالسياسة الخارجية، بل يشكّل إعلاناً واضحاً عن نيتها السياسية ودورها الإقليمي، فوسط إعادة تشكيل موازين القوى على الساحة الدولية، تنظر أنقرة إلى غزة كفرصة وُلدت من رحم الفوضى، ولا للانحياز إلى طرف ضد آخر فحسب، بل لإعادة تحديد موقعها بين القوى الإقليمية والدولية في المنطقة.

تعكس الرؤية التركية للمستقبل، كما عبّرت عنها أنقرة في السنوات الأخيرة من خلال محطات رمزية مثل: عام 2040 (رؤية العالم التركي 2040)، وعام 2053 (مرور 600 عام على سقوط القسطنطينية)، وعام 2071 (ألف عام على معركة ملاذكرد)، إضافة إلى الشعار العام “قرن تركيا”، مساراً متعمداً يقوم على طموح كبير في السياسة الخارجية.

تُعد هذه السرديات بمثابة رموز زمنية ومعنوية تهدف إلى تعزيز مكانة تركيا على الساحة الدولية، وتعكس ثقة استراتيجية تتجاوز إرث الدولة العثمانية وطموحاتها البحرية المعبَّر عنها في عقيدة “الوطن الأزرق”.

في هذا الإطار الاستراتيجي، يُجسّد الموقف التركي من حرب غزة بإعادةَ ضبط أوسع في توجهات السياسة الخارجية، في سبيل ترسيخ دور إقليمي مستقل، فبدلاً من الانحياز الكامل إلى الغرب أو القوى الأوراسية، تسعى أنقرة إلى رسم مسار خاص بها، مستفيدةً من أزمات مثل غزة لتوسيع نطاق نفوذها وتعزيز حضورها الإقليمي والدولي.

بدلاً من الانحياز الكامل إلى الغرب أو القوى الأوراسية تسعى أنقرة إلى رسم مسار خاص بها مستفيدةً من أزمات مثل غزة لتوسيع نطاق نفوذها وتعزيز حضورها الإقليمي والدولي

يناقش هذا التحليل الدبلوماسية التركية في غزة التي تُعد جزءاً من صعود استراتيجي أوسع تسعى من خلاله أنقرة إلى ترسيخ نفسها كـ«قطب ثالث» في النظام الإقليمي والدولي، يقوم على مزيج من الحضور الإقليمي القوي، والهوية الأيديولوجية المستندة إلى القومية والإسلام السياسي، إلى جانب براغماتية مرنة، ومن هذا المنطلق، لا تمثل غزة مجرد أزمة إنسانية، بل ساحة استراتيجية تختبر فيها تركيا هذا النهج المستقل الصاعد وتبرزه للعالم.

ترامب وأردوغان عقب توقيع خطة السلام في شرم الشيخ (أ ف ب)
غزة ميدان تجريبي لاستراتيجية تركيا   

منذ اندلاع الأزمة في غزة، تصرفت تركيا بشكل تدريجي ومنهجي، ففي البداية، اعتمدت لهجةً حازمةً معاديةً لإسرائيل، مُدينةً العمليات العسكرية الإسرائيلية، ومُقدمةً نفسها على أنها المدافع الرئيسي عن القضية الفلسطينية، وفي وقت لاحق، عززت أنقرة اتصالاتها مع حماس، وحضورها السياسي على الساحة الفلسطينية، مُعلنةً انفتاحها على مشاركتها في بعثات حفظ السلام أو المراقبة الدولية؛ وهي خطوةٌ تهدف إلى دعم قضيتها في الحصول على الشرعية الدولية في الشؤون الأمنية الإقليمية.

بعد انتخاب دونالد ترامب في الولايات المتحدة وتجدد الجهود الأمريكية لتثبيت الأوضاع في غزة، استغلت تركيا علاقتها مع حركة حماس لتقديم نفسها كوسيط لا غنى عنه، حيث يعكس هذا التسلسل من الخطاب السياسي، والانخراط المباشر، والسعي للعب دور ضمن آليات إدارة الأزمات استراتيجية تركيا الأوسع في الاستفادة من الأزمات الإقليمية لتعزيز مكانتها كمركز قوة مستقل.

في غزة وأوكرانيا وسوريا، اتبعت تركيا نهجاً مألوفاً، موازنةً بين الأطراف المتنافسة وفي الوقت نفسه تروّج لنفسها كقوة استقرار، ففي أوكرانيا، نفذت أنقرة عملية توازن دقيقة بين روسيا والغرب؛ فبينما حافظت على قنوات الاتصال مع فلاديمير بوتين واستضافت محادثات تصدير الحبوب، قامت أيضاً بتزويد كييف بالطائرات المسيّرة، وبالمثل، في سوريا جمعت تركيا بين التدخل العسكري والانخراط الدبلوماسي مع روسيا وإيران والولايات المتحدة.

في غزة وأوكرانيا وسوريا اتبعت تركيا نهجاً مألوفاً موازنةً بين الأطراف المتنافسة وفي الوقت نفسه تروّج لنفسها كقوة استقرار

 في كل من ساحات غزة وأوكرانيا وسوريا، تسعى تركيا لتقديم نفسها كفاعل استقراري ووسيط وفق شروطها الخاصة، ما يعزز هويتها كـ«قطب ثالث» مستقل يجمع بين القوة العسكرية والاستقلال السياسي والتحالفات المرنة، ويظهر النهج المتدرج لأنقرة، من خلال تحديد سردياتها، والتفاعل مع حماس، والسعي لتحقيق دور عملي، امتداداً طبيعيًا لمحاولاتها لتثبيت موقعها المؤسسي.

الشرعية الدبلوماسية عبر المؤسسات الدولية ومبادرات السلام

لا تنظر تركيا إلى مشاركتها في غزة على أنها مؤقتة أو رمزية، بل تعتبرها مسعى استراتيجياً، فقد صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بوضوح بنيّة بلاده المشاركة في مراقبة وقف إطلاق النار والمساهمة في جهود إعادة الإعمار.

 وبعيداً عن التصريحات، أرسلت تركيا فريقاً مكوّناً من 81 فرداً من فرق الإنقاذ إلى مدينة رفح، وهم بانتظار تصريح من السلطات الإسرائيلية لدخول غزة، في خطوة تعكس في آنٍ واحد التزام أنقرة والقيود المفروضة على نفوذها.

 سعي تركيا للمشاركة في مهمة متعددة الأطراف، حتى وإن كانت تحت رعاية دولية، يعكس جهودها الأوسع لنيل دور مؤسسي معترف به واكتساب مكانة دولية رسمية، ومن خلال هذا الانخراط، تهدف أنقرة إلى إضفاء الشرعية على مسعاها لتكون ضامنة للأمن وإعادة الإعمار، وهو الدور الذي سعت إليه في أزمات إقليمية سابقة لكنها لم تنجح في تحقيقه.

المشاركة في مثل هذا الأمر ستمنح تركيا حضوراً أوضح ونفوذاً تفاوضياً أكبر في المباحثات الإقليمية المتعلقة بإدارة مرحلة ما بعد الصراع، والتنسيق الإنساني، والتعاون الدفاعي بين الولايات المتحدة وتركيا، بما في ذلك قضايا تحديث طائرات F-16  وإمكانية إعادة انضمامها إلى برنامج F-35.

غزة بوابة للعودة إلى العالم العربي

بدافع طموحها إلى قيادة إقليمية، تسعى أنقرة إلى الانتقال من دور المراقب المحدود إلى فاعل مؤثر يسهم بفاعلية في تشكيل مخرجات المشهد في غزة، حيث تهدف من خلال ذلك إلى تأمين دور محوري في إعادة الإعمار بعد الحرب، والإشراف على وقف إطلاق النار، والمشاركة في صياغة هياكل الحوكمة والأمن المستقبلية، بما يعزز مكانتها في نظام ما بعد الصراع.

ومع ذلك، لا تقتصر طموحات تركيا في غزة على الأطر الرسمية أو الترتيبات الأمنية فحسب، بل تمتد بعمق إلى المجال الرمزي والأيديولوجي، ولا سيما في سياق العالمين العربي والإسلامي الأوسع.

إن انخراط تركيا في غزة يحمل في جوهره أبعاداً جيوسياسية، تُوظَّف فيها السرديات الأيديولوجية والرمزية كأدوات لتعزيز طموحاتها القيادية وترسيخ دعمها الداخلي والإقليمي، حيث تسعى أنقرة إلى إعادة إدراج نفسها في العالم العربي، لا بوصفها شريكاً مسلماً تقليدياً، بل كفاعل رئيسي قادر على مواجهة إسرائيل والدفاع عن القضية الفلسطينية في الوقت الذي، وفقاً للرواية التركية، أبدت فيه الحكومات العربية تردداً أو نزعة إلى التسوية.

وأشارت الاجتماعات التي استضافها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في إسطنبول، بمشاركة ممثلين عن مصر والأردن وقطر وإندونيسيا، إلى مسعى لتشكيل منصة دبلوماسية تقودها تركيا تتمحور حول القضية الفلسطينية.

يخدم هذا التوجه السياسة الداخلية التركية أيضاً، إذ يلقى الموقف الحازم لأنقرة تجاه غزة صدى واسعاً لدى القواعد المحافظة والقومية في تركيا، ما يساعد الحكومة على موازنة تراجع شعبيتها في ظل التحديات الاقتصادية، ومع ذلك، فإن سعي تركيا إلى الزعامة الإقليمية وبناء صدى أيديولوجي لا يمكن فصله عن علاقتها المعقدة وغالباً البراغماتية مع الولايات المتحدة، فبالنسبة لأنقرة، لا تُعدّ غزة مجرد أزمة إنسانية، بل ساحة لإعادة تأكيد دورها القيادي في العالم الإسلامي.

لا تُعدّ غزة بالنسبة لأنقرة مجرد أزمة إنسانية بل ساحة لإعادة تأكيد دورها القيادي في العالم الإسلامي

الشرعية الاستراتيجية عبر الولايات المتحدة

رغم المواجهات الكلامية المتكررة مع واشنطن، لكن سلوك تركيا يعكس تعاوناً انتقائياً حيثما تتوافق المصالح، حيث نسقت أنقرة مع الولايات المتحدة في أزمات سابقة، لا سيما خلال مبادرة ممر الحبوب الأوكراني، ويبدو أنها منفتحة على تعاون مماثل في غزة إذا حظيت أي مهمة دولية بدعم أمريكي، إذ يُبرز قبول حماس لعناصر من مقترحات وقف إطلاق النار الأمريكية عقب الوساطة التركية سعي أنقرة إلى ترسيخ مكانتها كوسيط لا غنى عنه، مع الحفاظ على استقلاليتها الاستراتيجية.

وفي الوقت نفسه، ترى واشنطن أنقرة وسيط ذو قيمة، وحليف في الناتو يتمتع بملف ديموغرافي ذو أغلبية مسلمة، قادر على تعزيز أهداف الولايات المتحدة من خلال إطار إنساني مع تخفيف المخاطر الإقليمية.

كما هو الحال مع دورها في مناطق خفض التصعيد في سوريا، يُتيح وجود تركيا في غزة رؤيةً وتأثيراً رمزياً، لكن قوتها الحاسمة محدودة، وكما هو الحال في سوريا، تسعى واشنطن إلى الاستعانة بمصادر خارجية لتنفيذ العمليات دون التنازل عن السيطرة الاستراتيجية، فتُفوّض التنفيذ إلى جهات إقليمية مع الحفاظ على سيطرتها على العملية السياسية والاستراتيجية.

 وتُوفّر مشاركة أردوغان ثقلاً سنياً موازناً لإيران، ما يضع ضغطاً مُدروساً على القاهرة، ويمنح الولايات المتحدة قناةً شرعيةً دينياً للتواصل مع الفصائل الفلسطينية، وهو ما لا تستطيع الجهات الغربية الفاعلة تقليده بشكل مباشر.

 بينما تقدر واشنطن هذه الفائدة، يرى الفاعلون الإقليميون نوايا أنقرة بشكل مختلف تماماً، وغالباً بشكوك عميقة، وفي الوقت نفسه، تعتبر الولايات المتحدة تركيا وسيطاً مفيداً وشريكاً غير متوقع في الوقت نفسه.

 الديناميكيات الإقليمية: الرفض الإسرائيلي والتحفظات المصرية

رفضت إسرائيل بشكل قاطع الدور العسكري التركي في غزة، مستندةً إلى روابط أنقرة مع حركة حماس وخطابها التصادمي، حيث يؤكد القادة الإسرائيليون على السلطة الحصرية لإسرائيل في تحديد تشكيل أي وجود أمني دولي في القطاع، وبالمثل، تنظر مصر إلى مشاركة تركيا بشك، وتعتبرها تحدياً لهيمنتها الطويلة على ملف غزة، ورغم تفوق تركيا في القدرات اللوجستية والعسكرية، توفر الجغرافيا المصرية، ومراقبة الحدود، وشبكات المخابرات نفوذاً فورياً للقاهرة.

تواجه تركيا منافسة من قطر وإيران والإمارات، التي تسعى جميعها إلى النفوذ في السياسة الفلسطينية بعد الصراع، ما يجعل غزة ساحة متنازعاً عليها لإسقاط النفوذ الإقليمي، وفي ظل هذا التوازن بين الفرص والقيود، تتضح عدة مسارات واقعية لدور تركيا في غزة.

 تواجه تركيا منافسة من قطر وإيران والإمارات، التي تسعى جميعها إلى النفوذ في السياسة الفلسطينية بعد الصراع ما يجعل غزة ساحة متنازعاً عليها لإسقاط النفوذ الإقليمي

سيناريوهات المشاركة  

تستغل تركيا أزمة غزة كفرصة لتعزيز دورها ليس فقط كقوة متوسطة، بل كـ “القطب الثالث” الاستراتيجي في نظام دولي متعدد الأقطاب، ومن خلال موقف دبلوماسي يتأرجح بين الإدانة الأخلاقية، والمرونة البراغماتية، والطموح الاستراتيجي، تسعى أنقرة إلى تقديم نفسها كقوة استقرار لا غنى عنها، ولكن وفق شروطها الخاصة، فيما يلي سيناريوهات محتملة لمشاركة تركيا في غزة، لكل منها تبعات مميزة على أهداف أنقرة الإقليمية:

المشاركة في قوة مراقبة أو حفظ سلام دولية

تسعى أنقرة بنشاط للانضمام إلى أي مهمة دولية مكلفة بمراقبة وقف إطلاق النار أو استقرار غزة، وعلى الرغم من رفض إسرائيل انتشار القوات التركية بسبب روابط أنقرة مع حركة حماس، إلا أن هناك مجالاً دبلوماسياً لدور محدود، وبدعم أمريكي، يمكن لتركيا تقديم المساعدات اللوجستية، أو فرق الدفاع المدني، أو ضباط الاتصال، بما يمنحها شرعية فعلية دون وجود قتالي مباش، وستلبّي هذه المشاركة رغبة تركيا في الاعتراف الدولي وتضع سابقة لمشاركاتها في أزمات مستقبلية.

وزراء خارجية الدول الإسلامية يناقشون خطة السلام في غزة بإسطنبول (أ ف ب)
إعادة الإعمار بعد الصراع والمشاركة الإنسانية

تمتلك تركيا خبرة كبيرة في إعادة الإعمار بعد الصراعات والعمليات الإنسانية، ومن خلال التركيز على البنية التحتية القطاعية مثل إعادة بناء المستشفيات، والمساكن، وشبكات الكهرباء والمياه، إلى جانب المساعدات الطبية وقدرات الدفاع المدني، تستطيع تركيا ممارسة النفوذ عبر القوة الناعمة.

 ويتيح هذا النهج تقليل المواجهة مع إسرائيل ومصر، مع تعزيز الروابط مع المؤسسات الفلسطينية والمجتمع المدني، مما يضمن استمرار تأثير تركيا ضمن نموذج إعادة إعمار غزة.

بناء تحالفات مع الدول ذات الأغلبية المسلمة

أظهر اجتماع إسطنبول الوزاري عزم أنقرة على تشكيل كتلة دبلوماسية تُركز على فلسطين، بدعم من شركاء مثل قطر والأردن وإندونيسيا، ومن شأن منصة إسلامية مُنسّقة أن تُمكّن تركيا من صياغة خطابها، واقتراح مبادرات، وتقديم بديل للمسارات الدبلوماسية التي تقودها دول الخليج أو التي يهيمن عليها الغرب، يُعزز هذا المسار ادعاء تركيا بالقيادة الإسلامية، ويُعزز شرعية أردوغان محلياً وإقليمياً.

القيادة الرمزية في حال الاستبعاد من الآليات الرسمية

في حال قامت إسرائيل ومصر، بدعم غربي ضمني، بحظر المشاركة الرسمية لأنقرة في غزة، قد يظل دور تركيا رمزياً في المقام الأول، وفي هذا السيناريو، ستكثف أنقرة الرسائل الأيديولوجية، وتسليط الضوء على التناقضات الغربية، وتحريك منتديات مثل منظمة التعاون الإسلامي وحركة عدم الانحياز، وعلى الرغم من محدودية تأثير هذه الاستراتيجية في تشكيل النتائج التشغيلية، فإنها تحافظ على السردية التركية كمدافع أخلاقي وإسلامي عن فلسطين وتحتفظ بمكانتها القيادية بين القواعد المتعاطفة معها.

تؤكد كل هذه المسارات أن موقف تركيا من غزة ليس مجرد رد فعل، بل جزء من تطور استراتيجي أوسع.

وفي النهاية، تمثل غزة بالنسبة لتركيا أكثر من مجرد أزمة إنسانية أو أمنية؛ فهي مختبر لصقل هويتها الجيوسياسية المتطورة، وبينما توازن أنقرة بين الموقف الأخلاقي والمنفعة الاستراتيجية، تسعى إلى إظهار أنها لا تكتفي بردود الفعل على الأحداث، بل تساهم بنشاط في تشكيلها.

بينما توازن أنقرة بين الموقف الأخلاقي والمنفعة الاستراتيجية تسعى إلى إظهار أنها لا تكتفي بردود الفعل على الأحداث بل تساهم بنشاط في تشكيلها

تعتمد قدرة تركيا على تحويل الخطاب الحازم إلى نفوذ مستدام على قدرتها في إدارة التوترات الإقليمية، والحفاظ على الغموض الاستراتيجي بين الأقطاب العالمية، وتقديم فوائد ملموسة على الأرض، وسواء من خلال الدبلوماسية أو إعادة الإعمار أو التوافق الأيديولوجي، توفر غزة ساحة يمكن لتركيا من خلالها صقل طموحاتها وإبرازها لتصبح فاعلاً محورياً في عالم متعدّد الأقطاب بشكل متزايد، أي ما يمكن وصفه بـ “القطب الثالث” المحدد ذاتياً بين الشرق والغرب.

بالنسبة لتركيا، تتمثل المهمة الاستراتيجية الأساسية في الموازنة بين التواجد والنفوذ دون المساس باستقلاليتها، أي تأمين حضور كافٍ لتشكيل النتائج وادعاء كونها لا غنى عنها، مع تجنب الانخراط في أطر خارجية قد تُضعف استقلالها الاستراتيجي.

ومع ذلك، فإن نظرة تركيا إلى غزة لا تقتصر على كونها ساحة صراع أو منصة تفاوض، بل تُجسّد آفاقها ومخاوفها كقوة إقليمية صاعدة، حيث يظل تحوّل الخطاب الأخلاقي نحو التطبيق العملي، ونحو حل النزاعات، عاملًا أساسياً، ومن الناحية العملية، يكمن السؤال الرئيسي في مدى إمكانية ترجمة أقوال تركيا إلى واقع ملموس وفقاً للمعايير التي تفرضها.

 في الوقت الحالي، لا تزال غزة مكاناً يجب على تركيا الحفاظ عليه واعتباره حقل اختبار لمفهوم القوة المستقلة في ظل ظروف من عدم اليقين التام.

نيكوليتا كوروشي

نيكوليتا كوروشي

نيكوليتا كوروشي، صحفية ومحللة سياسية قبرصية، عملت مع عدد من مراكز الأبحاث، أبرزها منتدى الشرق الأوسط، كما نشرت مقالات في وسائل إعلام دولية، وتركز على التطورات في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط
موضوعات أخرى
تقرير
تقرير
تقرير
تقرير
تقرير
تقرير
تقرير
تقرير
Eagle Intelligence Reports
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.