تحوّل موازين القوى في إفريقيا: صعود هائل أم فرصة ضائعة؟

تقرير
أفريقيا التحديات والفرص
ﺷﺎرك
Getting your Trinity Audio player ready...

في ظل تركيز القوى العالمية على إفريقيا لمواجهة تحدياتها الداخلية المتزايدة، تقف القارة عند مفترق طرق حاسم، فهل ستنجح في تسخير مكاسبها الديمغرافية والاقتصادية والجيوسياسية للنمو والتطور، أم ستترك الانقسامات وانعدام الأمن يقوضان مستقبلها الواعد؟.

اليوم، تُراهن مؤسسات عالمية رائدة، من بينها الأمم المتحدة والبنك الدولي، على نهوض سريع لإفريقيا -الأقلّ نمواً في العالم- واصفة إياها بـ “قارة المستقبل”، إلا أن هذا التفاؤل مرهوناً بإدراك قادة إفريقيا لإمكاناتها الهائلة، والانتقال بها إلى مستوى يواكب تطلعات ورؤية سكانها البالغ عددهم 1.5 مليار نسمة، وتلبية طموح 15 مليون شاب إفريقي يدخلون سوق العمل سنوياً، في ظل تطلعهم إلى مستقبلٍ لم تتضح ملامحه بعد، في قارة تقف على حافة التحول.

أما التوقعات تشير إلى أن إفريقيا ستكون ثاني أسرع مناطق العالم نمواً خلال عام 2025، بعد شرق آسيا مباشرة، وسيرتفع الناتج المحلي الإجمالي لها بمعدل سنوي يبلغ 6% خلال العقد المقبل، مدفوعاً بالاستثمارات الأجنبية المباشرة التي ارتفعت من 15 مليار دولار في عام 2002 إلى 37 ملياراً في عام 2006، ثم إلى 46 مليار دولار في عام 2012.

ومع ذلك، فإن نمو الناتج المحلي الإجمالي وحده، لا يكفي لنهضة القارة، ما لم يكن مصحوباً بتحول اقتصادي طويل الأمد، وهو ما تحتاجه إفريقيا بالفعل، على عكس ما يروج له بعض الأفارقة، فإنها ليست في صعود بعد، بل هي لا تزال في طور الظهور البطيء كقوة اقتصادية بعد عقود من التراجع.

بدأت القارة انطلاقتها في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث تضاعف عدد سكانها تقريباً أربع مرات خلال 50 عاماً، إذ سجّلت دولٌ مثل كينيا والكونغو، في شرق ووسط إفريقيا، أعلى معدلات النمو السكاني، بينما شهدت دول الجنوب والشمال، ولا سيما جنوب إفريقيا وتونس، نمواً أقل، ورغم أن من المتوقّع استمرار هذا الاتجاه حتى نهاية هذا القرن، فإن النمو السكاني وحده لا يكفي لدفع إفريقيا نحو الازدهار حتى الآن.

ولكن، هل يمكن لإفريقيا أن تحوّل نموها السكاني الهائل إلى تنمية اقتصادية، ومن ثم تستثمر العائدات الناتجة في تحسين جودة الحياة، على الرغم من التحديات المعقّدة والمتشابكة التي تواجهها القارة؟.

في هذا التحليل الخاص، نبحث عن إجابات لأسئلة تؤرّق الأفارقة، وتُبقيهم مستيقظين طوال الليل.

 سواء أفرزت التركيبة السكانية في إفريقيا فوائد أو كوارث، فإن ذلك يتوقف على حكوماتها، قد تُشجّع الجغرافيا السياسية تنافس القوى العظمى الذي يمكن للأفارقة استغلاله، لكن الاتجاهات الصاعدة نحو القومية والحمائية لا تبشر بالخير

إفريقيا بعد 100 عام

من نواحٍ عدة، لم يكن هناك وقت أفضل من الآن ليولد الإنسان إفريقياً، فمنذ عام 1960، ارتفع متوسط ​​العمر المتوقع بأكثر من النصف، من 41 إلى 64 عاماً، كما انخفضت نسبة وفيات الأطفال دون سن الخامسة بمقدار ثلاثة أرباع، وارتفعت نسبة الشباب الملتحقين بالجامعات بمقدار تسعة أضعاف منذ عام 1970.

 الدراسات الحديثة تشير إلى أن إفريقيا ستكون القارة الوحيدة التي ستشهد انفجاراً سكانياً مع اقتراب نهاية هذا القرن، وبحلول عام 2030، سيكون نصف الداخلين الجدد إلى سوق العمل العالمي من منطقة إفريقيا جنوب الصحراء.

 أما في عام 2050 سيستمر عدد السكان في سنّ العمل بالارتفاع، في الوقت الذي سيتراجع فيه بباقي مناطق العالم، وعند تلك المرحلة، سيبلغ عدد سكان القارة نحو 2.5 مليار نسمة، أي ما يعادل ربع سكان العالم تقريباً.

وهذا ما يشير إلى أنه مع الزخم الديموغرافي الهائل في إفريقيا جنوب الصحراء، من المتوقع أن تشهد المنطقة أسرع معدلات نمو في الناتج المحلي الإجمالي، تتراوح بين 4 و5%، مقارنةً بأي مكان آخر في العالم.

 ومن الآن وحتى عام 2050، يُرجّح أن يصبح الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة أكبر من أي اقتصاد منفرد، باستثناء الولايات المتحدة والصين والهند.

وبحلول عام 2100، ستكون إفريقيا موطناً لـ 4.4 مليار نسمة، أي ما يعادل أربعة أضعاف عدد سكانها الحالي، وأكثر من ثلث سكان العالم، كما أنه في ذلك الوقت، سيكون 13 من أكبر 20 منطقة حضرية في العالم داخل القارة الإفريقية.

زيادة السكان

وعلى النقيض من ذلك، فإن هذا الارتفاع الكبير في عدد السكان، الذي يفوق بكثير الزيادة المتوقعة في عدد سكان العالم والمقدّرة بـ53% بحلول عام 2100، سيطرح تحديات كبيرة، إذ ستضطر الحكومات الإفريقية إلى بناء دول قادرة على دعم أعداد متزايدة من السكان، مع مواصلة التصدي لمشكلات مزمنة مثل الفقر، والصراعات، والأمراض، وضعف الوصول إلى التعليم.

 وفي ظل استعداد القارة لاحتضان اثنين من كل خمسة أشخاص في العالم بحلول نهاية القرن، سيكون من الضروري إنشاء بنية تحتية قادرة على تحسين مستوى التعليم، والرعاية الصحية، والأمن، والفرص الاقتصادية لشعوبها.

ومع ذلك، فإن النمو السكاني الشاب يشكل فرصة لأي اقتصاد مزدهر، لكن بالنسبة لاقتصاد يكافح، يصبح عبئاً يؤدي إلى الإحباط والعنف، ولكن هل ستؤدي التركيبة الديموغرافية لإفريقيا إلى فائدة أم كارثة؟.

 يعتمد ذلك إلى حد كبير على حكوماتها، فالمنافسة الجيوسياسية بين القوى الكبرى قد تتيح فرصاً للقارة، لكن صعود القومية وسياسات حماية المصالح الوطنية ينذر بتحديات كبيرة، وإذا كانت القارة تسعى فعلاً لسد الفجوة التنموية، فعليها أن تنهض بالمهمة بنفسها، عبر العمل الجاد، وبناء مؤسسات قوية، قادرة على تحويل الإمكانات إلى واقع ملموس.

الموارد الطبيعية  

لا تقتصر إمكانات إفريقيا على العامل الديموغرافي فقط، بل يمكنها الاستفادة من مواردها الطبيعية الوفيرة لإنشاء صناعات وأسواق جديدة، ومع امتلاكها نحو 40% من إمكانيات الطاقة المتجددة في العالم، فإن القارة تستعد لتكون رائدة عالمياً في مجال التكيف مع تغير المناخ من خلال الاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجيا الرقمية.

يُشكل رأس المال الطبيعي نحو 19% من إجمالي ثروة إفريقيا، مقارنة بـ 7% في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، و3% في آسيا النامية، وهذا يعكس الأهمية الكبيرة التي تشكلها الموارد الطبيعية لإفريقيا، سواء في تعزيز النمو الاقتصادي أو في مواجهة التحديات البيئية.

 ومع ذلك، يتطلب الاستفادة الكاملة من هذه الموارد استراتيجيات طويلة الأمد تهدف إلى تنويع الاقتصاد، وتحسين البنية التحتية، وتطوير التكنولوجيا اللازمة للاستدامة البيئية، حيث تدهور الوضع هذا العام مع انخفاض تاريخي بنسبة 29% في أسعار المواد الخام، التي تشكل 89% من صادرات القارة، كما أن الأزمة البيئية تعيق التنمية الاقتصادية.

مركز عالمي للإرهاب

منطقة الساحل، عبارة عن شريط شبه جاف يمتد على طول 5900 كم، عبر عرض قارة إفريقيا، يبدأ من المحيط الأطلسي في الغرب ويصل إلى البحر الأحمر في الشرق، ويقع بين صحراء الصحراء الكبرى في الشمال وسهول السافانا الغابية في الجنوب.

 وتتكون المنطقة من 10 دول إفريقية، تواجه أزمات سياسية، واقتصادية واجتماعية، وصراعات مستمرة، كما تُعد واحدة من أفقر مناطق العالم، حيث تضم شمال نيجيريا أكبر عدد من الأشخاص الفقراء على كوكب الأرض.

وقد أدى تفجر الصراعات بشكل غير مسبوق إلى تشكيل مسار من الموت والدمار عبر عرض قارة إفريقيا، من مالي في أقصى غرب القارة، وصولاً إلى السودان في أقصى شرقها.

في ظل هذا الوضع، أصبحت منطقة الساحل تحت سيطرة جماعات الإرهاب المتطرفة، وبعد أن انزلقت ليبيا إلى الفوضى، سقطت كمية ضخمة من الأسلحة -التي كانت قد جمعتها حكومة القذافي خلال أكثر من أربعة عقود من الحكم- في أيدي مجموعة من القوى، من بينها جماعات مرتبطة بالقاعدة وداعش.

 ومع هذا المخزون الضخم من الذخائر، سيطرت الجماعات الإرهابية على مساحات واسعة من أراضي الساحل، مكنتها من تعزيز وجودها وتوسيع معاقلها.

ومع ذلك الوضع تحولت منطقة الساحل إلى ساحة معركة شرسة، حيث تدور حرب صعبة بين القوات الحاكمة وعناصر الجهاديين التابعين للجماعات الإرهابية، التي أسفرت عن تهجير ملايين الأشخاص، وبروز هذه المنطقة كمركز جديد للنشاط الجهادي.

وقد اعترف مؤشر الإرهاب العالمي (GTI) بمنطقة الساحل مركز عالمي للإرهاب للعام الثاني على التوالي، إذ لم تسجل أي منطقة أخرى تقدماً مذهلاً مثلما فعلت الجماعات المتطرفة منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الشرق الأوسط.

 وفي هذه المنطقة تعمل أربع جماعات إرهابية رئيسية، تضم: الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى  (ISGS)، وولاية غرب إفريقيا التابعة للدولة الإسلامية (ISWAP)، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)، وهي فرع محلي للقاعدة في مالي، وبوكو حرام.

 تهدد القوة المتنامية والمتواصلة للمنظمات الإسلامية المتطرفة العنيفة بتفاقم الأزمة الإنسانية وزعزعة استقرار إفريقيا، مما يشكّل تحديات كبيرة للأمن والاقتصاد العالميين

الأزمات الكامنة  

تُسجل منطقة الساحل نصف وفيات إرهاب الجماعات المتطرفة في ظل تصاعد العنف، فمن بين 7555 حالة وفاة تم تسجيلها عالمياً في عام 2024، وقع 3885 منها في منطقة الساحل، بزيادة مقدارها عشرة أضعاف منذ عام 2019، كما زادت الوفيات المرتبطة بالإرهاب بنسبة 40% في الدول الخمس الأكثر تضرراً في الساحل العام الماضي.

 وبالمثل، شهدت النيجر أكبر زيادة في الوفيات المرتبطة بالإرهاب من سنة إلى أخرى، حيث ارتفعت بنسبة 94% ليصل إجمالي الوفيات إلى 930 شخصاً، ما يعكس عمق الأزمة وتدهورها، وفقاً لمعهد الاقتصاد والسلام ( (IEP. 

وهذا يشير إلى أن العنف الذي تقوده جماعتي نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) والدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى (ISGS)، يتصاعد في مناطق مختلفة مثل: وسط مالي، وشمال بوركينا فاسو، وغرب النيجر.

وتقدر لجنة الأمم المتحدة، أن جماعة JNIM، تعد الفصيل الأكثر نشاطاً من تنظيم القاعدة في منطقة الساحل، وتضم من 5000 إلى 6000 مقاتل، بينما يتراوح عدد الجهاديين التابعين لتنظيم الدولة الإسلامية بين 2000 إلى 3000 مقاتل.

 وهذه الجماعات لا تقوم فقط بتعزيز سيطرتها على الأراضي الحيوية، بل تقوم بالتوسع إلى مناطق جديدة، لذا من المرجح أن يزداد النزاع في وسط الساحل، وسيتحمل المدنيون العبء الأكبر منه.

قاعدة استراتيجية

طورت قوى التطرف المتزايدة في إفريقيا عملياتها للسيطرة على ممر منطقة الساحل، الذي تعتبره قاعدة استراتيجية لنفوذها، وأصبحت مالي الهدف الأول لهذه الجماعات، في حين تدهورت الأوضاع الأمنية في بوركينا فاسو بشكل مستمر منذ أول هجوم إرهابي كبير شهدته عام 2015، خاصة على حدودها مع النيجر ومالي.

وقد تنازلت هذه الدول فعلياً عن مساحات واسعة للجهاديين، ولم تعد تسيطر على أجزاء كبيرة من أراضيها، حيث تمثل حرية الحركة التي يتمتع بها المتطرفون، إلى جانب الحدود المفتوحة والوصول إلى الموارد المحلية، مصدر قلق بالغ.

في ظل هذه الظروف، كثّفت فروع القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية هجماتها، ووسّعت نطاق عملياتها لتشمل دولاً جديدة، مع سيطرتها على مساحات شاسعة من أراضي الساحل.

وقد يختلف تهديد الإرهاب من دولة إلى أخرى، إلا أن نشاط الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل منذ عام 2012، وفي بنين وتوغو منذ عام 2021، يؤكد أن لا دولة في غرب إفريقيا بمنأى عن قبضتها.

وفي 8 يناير من هذا العام، شنّ أعضاء جماعة نصرة الإسلام والمسلمين المتطرفة هجوماً على موقع محصن كانت تسيطر عليه مبادرة مكافحة الإرهاب “عملية ميرادور” في شمال بنين، حيث أسفر هذا الهجوم، الذي وقع داخل منتزه ترانس فرونتير دبليو الوطني، عن مقتل ما لا يقل عن 30 جندياً بنينياً، في أكبر خسارة بشرية تتعرض لها البلاد على الإطلاق.

ويُعد هذا الهجوم تذكيراً قاسياً بحجم التهديد الذي تواجهه منطقة الساحل وغرب إفريقيا من تصاعد الإرهاب المتطرف.

في السنوات الأخيرة، برزت منطقة الساحل كمركز عالمي رئيسي للإرهاب (أ ف ب)

سلسلة هجمات

في مناطق أخرى، شنّت جماعة بوكو حرام سلسلة من الهجمات على القوات التشادية، أسفرت عن مقتل أكثر من 50 جندياً، حيث استمرت الجماعة في إبقاء تشاد في حالة تأهب، قبل أن تنفذ هجوماً جريئاً على قصر الرئاسة في نجامينا في يناير 2025، مستهدفةً الرئيس التشادي محمد ديبي.

ووفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي (GTI)، ظلّت بوركينا فاسو الدولة الأكثر تضرراً من الإرهاب للسنة الثانية على التوالي في عام 2024، إذ يشكّل انتشار العنف الجهادي في منطقة الساحل تهديداً متزايداً للاستقرار الإقليمي.

ومع استمرار الجماعات الإرهابية في استهداف الطرق التجارية الحيوية واستغلال شبكات التهريب، فإن الحاجة إلى تعزيز الأمن والتعاون بين الدول المتأثرة أصبحت ضرورة ملحة للحد من هذا التوسع العنيف.

لماذا تصاعدت الهجمات؟

يواصل الإرهاب تغيير أساليبه، مظهراً قدرة عالية على التكيّف مع الجغرافيا وطرق التنفيذ ووسائل الحصول على الموارد.

 واليوم، يسعى الجهاديون إلى استغلال حرب السودان لتعزيز مواقعهم، مستفيدين من حالة الفوضى التي خلفتها استراتيجية الحرب الشاملة التي تتبعها الحكومة، والمتمثلة في تسليح عشرات الآلاف من المدنيين كميليشيات.

وقد أدّت هذه الاستراتيجية إلى تفاقم الفوضى، وتغذية العنف العرقي، وارتفاع عدد الضحايا، ولذلك، فإن السيطرة على مصادر التطرف تُعدّ أمراً بالغ الأهمية، ليس فقط من أجل استقرار السودان، بل من أجل الأمن الإقليمي والعالمي على حد سواء.

دولة جهادية

تدق طبول الجهاد العالمي مجدداً في إفريقيا، حيث تمثّل القوة المتزايدة والمستمرة للجماعات الإرهابية المتطرفة تهديداً متصاعداً يُفاقم الأزمة الإنسانية ويُزعزع استقرار القارة، ما يفرض تحديات جسيمة على الأمن والاقتصاد العالميين.

وفي ظل استمرار تآكل الدعم الدولي لمكافحة الإرهاب، وضعف التنسيق الإقليمي، نشأ فراغ أمني استغلته هذه الجماعات لتوسيع نفوذها، وتعزيز انتشار الفكر الراديكالي العنيف في أنحاء متعددة من القارة.

ومع ذلك، تُعد منطقة الساحل واحدة من أبرز السيناريوهات التي تعكس حالة أفغانستان، إذ تعاني من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهو ما استغلته الجماعات الإرهابية لترسيخ نفوذها.

ولكن للتغلب على الجهاديين في الساحل، ينبغي على الغرب أن يتعلّم من أخطائه السابقة، فتاريخ التطرف يُحذّر من أن القوى الراديكالية غالباً ما تستخدم المعاقل المحلية كنقطة انطلاق لتنفيذ هجمات عنيفة ضد الغرب وأهداف أجنبية أخرى.

وهذا يشير إلى أنه، مع سيطرة الجهاديين على الطرق الرئيسية، ستواجه العواصم تهديدات متزايدة بالهجوم والحصار، وإذا استمرت هذه الجماعات في اكتساب القوة بالمعدل الحالي، فقد تتمكن من دفع الحكومات بعيداً عن مراكز التجمع السكاني، الأمر الذي قد يحوّل هذه الدول إلى دول فاشلة، ويمهد الطريق أمام الجماعات الجهادية لتأسيس دولة متطرفة.

ويُضاف إلى ذلك أن تدهور البيئة الأمنية في الساحل يتسم بتنوع الفاعلين والدوافع والتحفيزات، ما يتطلب استجابات مصممة بعناية تتماشى مع طبيعة السياق المحلي.

 وفي هذا السياق، تظل اليد الخفية لجماعة الإخوان المسلمين أحد العوامل الرئيسة وراء استمرار الفوضى وتعطّل مسارات التنمية.

الأسباب الرئيسية

على النقيض من ذلك، تتعدد الأسباب وراء تزايد تأثير الإرهاب في إفريقيا، من حيث الصعوبات الاقتصادية في الدول النامية أصلاً، والنزوح القسري، وتصاعد العنف حول مراكز السكان، وغيرها من المسببات.

 ووفقاً لتقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، فإن نقص فرص العمل يُعد من المحفزات الرئيسية وراء انضمام الشباب إلى الجماعات الإرهابية سريعة النمو في منطقة جنوب الصحراء الكبرى، وهو أكثر تأثيراً من المعتقدات الدينية.

في منطقة الساحل، يشكل جزء كبير من السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر مصدراً واسعاً لتجنيد الجهاديين، إذ يبلغ عدد سكان الساحل 150 مليون نسمة، 64% منهم مسلمون تحت سن 25 عاماً، وتبلغ نسبة الفقر بناءً على خط الفقر الوطني 41.15% (فقط أربع دول لديها بيانات لعام 2018).

أما تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي(UNDP) ، وجد أن 25% من المجندين الطوعيين في الجماعات الإرهابية، ذكروا أن السبب الرئيسي لانضمامهم لها، الحاجة إلى المال، في حين قال: 22% إنهم انضموا ليكونوا مع عائلاتهم وأصدقائهم، وذكر 17% أن السبب كان أفكاراً دينية، حيث استندت نتائج التقرير إلى مقابلات مع مئات من الإرهابيين السابقين.

سوء الحكم

ومع ذلك، أصبح الاستياء المتزايد من ارتفاع تكاليف المعيشة وسوء الحوكمة دافعاً رئيسياً للناخبين لمعاقبة الأحزاب الحاكمة في الانتخابات، ما يمثل تحدياً حقيقياً أمام الحكومات التي تواجه استحقاقات انتخابية هذا العام.

وتبقى أولويات مثل تقليل الفقر وتعزيز النمو الاقتصادي الذي يخلق فرص عمل من المهام العاجلة، خصوصاً أن نحو 464 مليون شخص في المنطقة يعيشون في فقر مدقع، واستمرار هذا الفقر، إلى جانب محدودية فرص العمل، وآثار تغيّر المناخ، وسوء الحوكمة، وارتفاع تكاليف المعيشة، كلها عوامل تُغذي مشاعر الإحباط الاجتماعي على نطاق واسع.

وقد أدّى هذا اليأس الاقتصادي، والإحباط الناتج عن غياب حكم القانون، إلى خلق بيئة خصبة للجماعات الجهادية، التي لا تكتفي باستغلال هذا الاضطراب، بل تعمل في كثير من الأحيان على تعميقه.

وهذا يشير إلى أن هذه الأوضاع ساهمت في معاناة اقتصادية متزايدة داخل الدول النامية، وأدّت إلى موجات من النزوح القسري، وارتفاع معدلات العنف حول مراكز السكان، فضلاً عن تصاعد عدم الاستقرار السياسي، الذي يُعزى جزئياً إلى إدراك عام بأن الحكومات غير قادرة على توفير الأمن.

الطريق إلى السلام

إذا كانت حكومات منطقة الساحل ترغب في التغلب على تمردات الجماعات الجهادية، فعليها أن تعيد النظر في استراتيجياتها، وأن تعيد تقييم نهجها في مكافحة التمرد، ويجب أن تتركز أهداف السياسات العامة على خدمة المواطنين، وتأمين المناطق، وتحسين الحوكمة، بدلاً من الانشغال بالتصدي للأيديولوجيات الجهادية فقط.

كما يتعيّن على هذه الحكومات استعادة ثقة السكان، وإقناعهم بأنها قادرة على حماية مصالحهم وتلبية احتياجاتهم، وإذا نجحت في خلق بيئة يشعر فيها المواطنون بالأمان والانتماء، فإنهم سيكونون أكثر مقاومة لمحاولات التجنيد الجهادي، وأكثر استعداداً لرفض التطرف.

ولكن بمجرد أن تبدأ المناطق في الاستقرار وتصبح أكثر أماناً، ينبغي على حكومات الساحل تعزيز وجودها، خاصة في المناطق الريفية النائية التي غالباً ما تكون الأكثر عرضة للاجتياحات الجهادية.

وهذا يشير إلى أن الأمن والحوكمة وحدهما فقط سيمنعان الجهاديين من السيطرة على الأراضي، ما يعيد الاستقرار إلى الساحل ويقلل من التهديدات العابرة للحدود، وإذا فشلت دول الساحل في القيام بذلك، فإن التمردات ستشكل على الأرجح تهديدات متزايدة للمنطقة ولغرب إفريقيا وللمجتمع الدولي، وخاصة الدول الغربية.

الفرص الاقتصادية

مكافحة التطرف في الساحل ليست مجرد مسألة قتال الجماعات المتطرفة فقط، بل أيضاً لتقليل الإحساس بالتهميش وزيادة الفرص الاقتصادية في المناطق الريفية.

 ومن المتوقع أن يستمر التطرف -الذي غالباً ما يُربط بشكل خاطئ بالدين- في النمو والازدهار ما لم يتم معالجة دوافع العنف، والدول الغربية التي كانت قد استثمرت سابقاً في محاولة لإبعاد الجهاديين عن المنطقة أصبحت تفتقر إلى القوة الكافية على الأرض.

لقد أثبتت فرنسا أنها رائدة المبادرة الغربية في المنطقة وحققت تقدماً، ومع ذلك يجب على الغرب، خاصة الدول الأوروبية، أن تبدأ في إيلاء المزيد من الاهتمام لأسباب المشاكل في هذه المنطقة، من خلال جمع البيانات وفهم الواقع على الأرض، عندها سيكونون قادرين على معالجة هذه المشاكل بشكل فعال، ومساعدة المؤسسات الإقليمية القائمة في البحث عن حلول طويلة الأمد تخدم السكان.

ومن خلال إعطاء الأولوية لفهمٍ عميق للأدوار التي يلعبها كل من الجماعات والدول الغربية، يمكن البدء في تفكيك المنظومة الجهادية التي ساهمت في زعزعة استقرار منطقة الساحل.

 لكن من دون اتباع هذا النهج الحاسم، فإن المنطقة تواجه خطر التحوّل إلى ساحة معركة دائمة، حيث يستمر العنف الناتج عن الإرهاب المتطرف، وتتفاقم الأزمات الإنسانية، ويواصل الأمل في الاستقرار تراجعه المطّرد.

ومع ذلك، يمر طريق السلام عبر تفكيك الشبكة الخفية لقيادة جماعة الإخوان المسلمين، التي تُعدّ أحد أبرز العوامل المساهمة في استمرار الفوضى، وحتى يتم تفكيك هذه الشبكة بالكامل، ستظل المنطقة عُرضة للتدهور، ما يُنذر بصراع أكثر عمقاً وتعقيداً.

الفرص الاقتصادية والمخاطر الأمنية

تتمتع إفريقيا بوفرة من الموارد الطبيعية، وسكان شباب متحمسون للعمل، وإصلاحات اقتصادية قادمة، ما يجعلها لاعباً عالمياً بارزاً في التجارة والاقتصاد في القرن الحادي والعشرين، ويتوقع بنك التنمية الأفريقي هذا العام معدل نمو اقتصادي سنوي قدره 4.3%، وارتفاعاً بـ 3.7% عن العام الماضي.

ومع عودة شرق إفريقيا لتكون المنطقة الأكثر نشاطاً هذا العام، ستكون إفريقيا ثاني أسرع منطقة نمواً في العالم.

 وعلى مدى العقد المقبل، من المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا بمعدل متوسط قدره 6% سنوياً، بفضل الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي زاد من 15 مليار دولار في عام 2002، إلى 37 مليار دولار في عام 2006، و46 مليار دولار في عام 2012.

وهذا يشير إلى أنه، رغم أن كينيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا تتمتع باستقرار سياسي نسبي، إلا أنها تعرضت لآثار سلبية على اقتصاداتها بسبب الصراعات الأخيرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان.

وبعيداً عن هذه المنطقة، يؤثر السودان بشكل كبير على الاقتصاد العالمي، فهو أكبر مصدر للبذور الزيتية في العالم، مثل: الفول السوداني وعباد الشمس وفول الصويا والزعفران والسمسم، كما أنه ثالث أكبر منتج للذهب في إفريقيا بعد غانا وجنوب إفريقيا.

 وينتج السودان أكثر من 80% من صمغ الأكاسيا (الأسود)، وهو منتج بمعجزة أكبر، إذ يستخدم في المشروبات الغازية، وإضافات الطعام، والطلاء، ومستحضرات التجميل وغيرها، ونحو 50% من صمغ الأكاسيا السوداني يتم شراؤه من قبل الشركات الأوروبية.

منذ اندلاع الصراع الحالي في أبريل 2023، تركت حالة عدم اليقين حول سلاسل التوريد، الشركات العالمية للسلع الاستهلاكية في حالة من الذعر، التي سارعت لتخزين السلع الأساسية.

سلاسل التوريد

الشركاء التجاريون الرئيسيون للسودان هم: دولة الإمارات العربية المتحدة، والسعودية، والصين، والهند، وإيطاليا، كما أن روسيا تُعتبر شريكاً تجارياً رئيسياً أيضاً، مع تعزيز العلاقات التي تُستخدم لدعمها العسكري.

وبالنظر إلى أهمية السودان، لا يمكن للمجتمع الدولي تجاهل الحرب الحالية، التي لديها القدرة على قلب تدفقات السلع الأساسية الحيوية إلى البلدان حول العالم، التي تسببت في تعطيل تدفق السلع، وأثرت على الأمن الغذائي، وتسببت في تشريد البشر، ما أضاف عبئاً على الاقتصادات، والصراعات المستمرة تؤدي إلى خسارة إفريقيا 18 مليار دولار سنوياً.

وعلى النقيض من ذلك، أحدث الاقتصاد المزدهر فرقاً كبيراً، خلال العشر سنوات الماضية، حيث زاد الدخل الصافي للفرد بأكثر من 30%، بينما في العشرين عاماً السابقة، تقلص بنسبة تقارب 10%، وأصبحت إفريقيا الآن أسرع قارات العالم نمواً.
ولكن ماذا يعني هذا النمو الاقتصادي المزدهر لشعوب القارة؟، وهل سيؤدي إلى تنمية شاملة ومستدامة؟، وكيف يمكن لإفريقيا فتح إمكانيات تنميتها وتحقيق الازدهار للجميع؟، وما الدروس التي تقدمها هذه التحديات لفهم ما تعنيه التنمية حقاً؟.

مؤشرات التنمية

غالباً ما تكون الإحصاءات المتعلقة بإفريقيا غير دقيقة، إلا أن الأرقام تشير بشكل عام إلى أن التنمية البشرية في منطقة جنوب الصحراء الكبرى شهدت قفزات كبيرة، وخلال العقدين الماضيين، تحقق تحسن مستمر في متوسط العمر المتوقع، والدخل الفردي، والوصول إلى التعليم.

واليوم الطفل المولود في إفريقيا يتمتع بفرصة أفضل للعيش لفترة أطول، والهروب من دائرة الفقر المدقع، والحصول على التعليم الأساسي، والاندماج في اقتصاد متنامٍ أكثر من أي وقت مضى، حيث زادت نسبة التسجيل في المدارس الثانوية بنسبة 48% بين عامي 2000 و2008، نتيجة توسع العديد من الدول في برامجها التعليمية وإلغاء رسوم المدارس.

وعلى مدار العقد الماضي، انخفضت وفيات الملاريا بنسبة 30%، وعدد حالات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) 74%، وارتفع متوسط العمر المتوقع عبر إفريقيا بنحو 10%، وتراجعت معدلات وفيات الأطفال بشكل حاد، ويبلغ متوسط العمر المتوقع 63 عاماً.

 ووفقاً لمؤشر إبراهيم للحوكمة في إفريقيا، الذي يقيّم مدى نجاح الحكومات في تنفيذ السياسات وتقديم الخدمات في مجالات مثل الأمن، والصحة، والتعليم، والحقوق، والمشاركة الديمقراطية، فقد أظهرت البيانات أن جائحة كوفيد-19 أسهمت في توقف التقدم في هذه المجالات خلال السنوات الثلاث الماضية.

ومع ذلك، يشير المتفائلون إلى أن وتيرة هذا التراجع قد تباطأت خلال السنوات الخمس الأخيرة، وفي الوقت نفسه، أصبح معظم أطفال إفريقيا اليوم أكثر صحة وتعليماً مقارنة بأي وقت مضى، وهو بلا شك تطور يدعو إلى التفاؤل.

بيانات مقلقة

تُظهر البيانات في سبع دول من أصل عشر، أن معدل معرفة القراءة والكتابة لدى البالغين (فوق سن 15 عاماً) يبلغ 56.06%.

 ولكن الواقع يختلف من دولة لأخرى: ففي الجزائر يبلغ معدل معرفة القراءة والكتابة 81.40%، بينما لا يتجاوز 35% في النيجر أو مالي.

 أما معدل الفقر وفقاً لخط الفقر الوطني فيبلغ 41.15% (مع توفر بيانات لأربع دول فقط لعام 2018)، وعلى الرغم من أن إفريقيا تضم نحو 20% من سكان العالم، فإن الدول الإفريقية البالغ عددها 54 دولة تمثل أقل من 3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

 وبينما تنعم دول مثل جنوب إفريقيا ومصر بقدر من الرفاهية النسبية، فإن القارة الإفريقية تضم ثلاثة أرباع أفقر دول العالم.

ويُظهر مؤشر إبراهيم للحكامة إفريقيا، وهو جهد طموح يشمل 100 مؤشر من بينها المشاركة السياسية، واحترام حقوق الإنسان، والإدارة الاقتصادية الرشيدة، وغيرها، تبايناً مقلقاً، فمن بين 26 مؤشراً متعلقاً بالصحة والرفاه والتعليم، تحسن 21 مؤشراً خلال العقد الماضي، وقادت رواندا، وإثيوبيا، وتوغو التحسينات في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية.

وعلى النقيض من ذلك، تدهور 18 من أصل 26 مؤشراً متعلقاً بالأمن والاستقرار وسيادة القانون، وفي 28 دولة، تحسنت مؤشرات التنمية بينما تدهورت مؤشرات الأمن.

بوجه عام، زادت حالة عدم الاستقرار في القارة، وأسهمت الحروب الأهلية في عدة دول مثل: السودان، وجنوب السودان، وجمهورية إفريقيا الوسطى، في تراجع الأرقام.

 وبحسب تقييم عام للقارة، فإن إفريقيا أصبحت أقل أمناً واستقراراً وديمقراطية مقارنة بما كانت عليه قبل عقد من الزمن، ما يعيق التقدم في مجالات الصحة والتعليم والاقتصاد.

إفريقيا واغتنام الحرب التجارية

بيئة الاستثمار في إفريقيا تُعد الأسوأ منذ سنوات، فمعظم اقتصادات القارة تفتقر إلى المقومات الأساسية للنمو الاقتصادي التحويلي، مثل: قوة عاملة متعلمة جيداً، وطرق وكهرباء، وحكومات مموّلة بشكل كافٍ ونزيهة، لكن تمويل الاستثمار يعد عنصراً أساسياً لتحقيق هذه الطموحات، وكذلك المساعدات التنموية.

 والاقتصادات الـ26 الأفقر في العالم، ومعظمها في إفريقيا، غارقة في الديون اليوم أكثر من أي وقت مضى، خلال السنوات الثماني عشرة الماضية.

 ومع ذلك تراجعت المساعدات العالمية، بالنسبة إلى ناتجها المحلي الإجمالي، إلى أدنى مستوى لها منذ عقدين، ولكن لتحقيق الوعود المرتبطة بالطاقة الخضراء سيتطلب إنفاقاً واسع النطاق، إذ لم تصل خلال العقد الماضي إلا لـ 2% فقط من الاستثمارات العالمية في مجال الطاقة المتجددة إلى القارة.

 وفي ظل احتواء جنوب الكرة الأرضية على ثلاثة أرباع سكان العالم، وأكثر من 39% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، تتزايد الدعوات لإصلاح الحكومات القائمة نحو نظام أكثر شمولاً وتمثيلاً يركز على التنمية.

وهذا يشير إلى أنه، عندما تنطلق الدول الفقيرة من قاعدة منخفضة، وتتوفر لها التمويلات الكافية، يمكن أن تشهد نمواً اقتصادياً مذهلاً من خلال تحسينات كبيرة في الكهرباء، والطرق، والتعليم.

مراحل التطور

يعتقد العديد من الاقتصاديين أن إفريقيا قادرة على تخطي مراحل التطور التقليدية والانتقال مباشرة إلى التقنيات المتقدمة، دون أن تسلك المسار الذي اتبعته الدول الصناعية سابقاً.

وعلى سبيل المثال، تجاوزت إفريقيا تقنية الخطوط الهاتفية الأرضية التقليدية، واتجهت مباشرة إلى استخدام الهواتف المحمولة، والتي تنتشر بسرعة لتصل إلى نحو 500 مليون مستخدم من أصل 1.2 مليار نسمة.

 وبالطريقة ذاتها، يمكن لإفريقيا تسريع عملية كهربة القارة، من خلال الاعتماد على أنظمة الطاقة الشمسية اللامركزية، ما يقلل الحاجة إلى إنشاء شبكات توزيع كهرباء مرتبطة بكل قرية.

 ولكن إذا كانت الموارد المالية شحيحة، رغم توفر بعض محفزات النمو، فقد تفشل الدول في تحقيق إمكاناتها لسنوات طويلة، ويكون هذا هو مصير العديد من الدول الإفريقية في السنوات المقبلة.

لا شك أن المشهد الأمني في القارة يبعث على القلق، إذ أن عدم الاستقرار السياسي يُعد من العوامل التي تزعج المستثمرين، فهناك اضطرابات قائمة في أجزاء من المنطقة، بما في ذلك جنوب إفريقيا والنيجر.

ومع ذلك، فإن أسواق الأسهم ليست منظمة كما هو الحال في الاقتصادات المتقدمة، وهناك خطر من أن يتم تعليق أو حتى التراجع عن الإصلاحات المتعلقة بتنظيم الملكية الأجنبية.

النزاعات

 وسط الجهود السياسية التي تبذل للتوسط في النزاعات ورسم طريق نحو السلام، فإن للشركات دوراً حاسماً في جهود بناء السلام.

وفي معظم أنحاء إفريقيا، لا يزال غالبية السكان تحت خط الفقر، كما أن نمو الإنتاجية لا يزال بطيئاً، وإذا استمر هذا الوضع، فلن تتمكن القوى العاملة الشابة في القارة من أن تكون المحرك للتغيير الذي يُفترض أن تكون عليه، وإن استمرار الأمور على حالها ستكون له عواقب وخيمة على إفريقيا.

وإذا اتسعت الفجوة، سيُشكّل الأفارقة غالبية الفقراء في العالم، بمن فيهم الأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ، وسيكون ذلك كارثة أخلاقية، كما أنه سيشكّل تهديداً لاستقرار بقية العالم من خلال تدفقات الهجرة والتقلبات السياسية.

فرنسا

في أغسطس 1958، بدأ شارل ديغول -الذي عاد للتو إلى السلطة في فرنسا- جولة في مستعمرات بلاده في أفريقيا جنوب الصحراء، بهدف عرض خطة على المستعمرات للانضمام إلى فرنسا في نوع جديد تحت  مسمى “المجتمع”.

وكانت باريس ستستمر في التحكم فيما أسمته خدمات الدولة، التي تشمل: الدفاع، والشؤون النقدية، والجمارك، بالإضافة إلى الإعلام والاتصالات، مع منح الدول الأفريقية نوعاً جديداً من الاستقلال المحدود، يسمح لها بإدارة شؤونها الداخلية وتحمل التكاليف التي كانت تُتحملها فرنسا سابقاً.

لكن ديغول، الذي أصبح رئيساً للجمهورية الخامسة، كان يرغب في إنشاء مجتمع فرنسي-أفريقي يمنح الاستقلالية والسلطة في إدارة الشؤون الداخلية للمستعمرات الأفريقية، بينما تحتفظ فرنسا بالسيطرة على المجالات الأساسية، مثل: الدفاع والشؤون الخارجية والسياسة الاقتصادية والنقدية.

العالم في تغيّر مستمر، وهناك أسباب متزايدة للاعتقاد بأن ترتيب فرنسا طويل الأمد مع شركائها الأفارقة أصبح مهدداً وغير مستدام مع مرور الوقت، حيث يجادل الخبراء بأن مشاعر معاداة فرنسا في أفريقيا ليست جديدة، لكنها ازدادت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.

بينما تتعامل فرنسا مع قراراها المعقد بتقليص التواجد في أفريقيا، عليها أن تزن العواقب بعناية لتجنب تفكيك إمبراطورية ارتبطت بالقارة الإفريقية ارتباطاً وثيقاً لقرون

 فرنسا وغرب أفريقيا

فرنسا كانت القوة المهيمنة بمنطقة الساحل في أفريقيا لعقود من الزمن، ووجودها هناك ارتبط بتاريخ استعماري مظلم، إلا أنه في العصر الحديث أصبح يتمحور حول مكافحة الإرهاب، وضمان مرونة سلاسل الإمداد والصادرات.

بعدها تطوّر الوجود العسكري الفرنسي في أفريقيا الفرنكوفونية استراتيجياً على مدار الـ65 عاماً الماضية، فقد كانت قواتها تمثل الضامن الفعلي للاستقرار في مستعمراتها السابقة.

 ومن خلال عمليات مثل: سيرفال، وسانغاريس، وبرخان، بررت تدخلاتها على أنها ضرورة لمكافحة الإرهاب، خاصة في منطقة الساحل، التي تعد واحدة من المناطق الأفريقية التي كانت هيمنة فرنسا عليها واسعة على مر العقود.

بعد أكثر من 80 عاماً، تشهد منطقة الساحل انتفاضة ملحوظة ضد النفوذ الفرنسي، فقد خرج قادة ثلاث دول في هذه المنطقة شبه القاحلة، تضم: النيجر، وبوركينا فاسو، ومالي واحداً تلو الآخر، معلنين رفضهم للهيمنة الفرنسية على غرب أفريقيا، واتخذوا خطوات لتقليص أو إنهاء وجود الجنود الفرنسيين، والشركات، والدبلوماسيين على أراضيهم، وألقوا باللوم على باريس في مجموعة من المشكلات.

طرد فرنسا

في أوائل عام 2025، وجدت فرنسا نفسها تُطرد بشكل غير رسمي من أكثر من 70% من الدول الأفريقية التي كانت قواتها العسكرية تتجول فيها دون رقيب، أما ما تبقى من وجودها العسكري، فهو مجرد صدى باهت يتمثل في 1,500 جندي في جيبوتي و350 في الغابون، والانسحاب الكبير أوشك على الاكتمال.

وهذا يشير إلى أن إغلاق القواعد العسكرية يعد نهاية قدرة فرنسا على التدخل، في بعض النزاعات عبر أفريقيا، سواء كان ذلك مبرراً أم لا، وهذا الأمر يُضعف نفوذها في المنطقة، خاصة مع تصاعد حدة النزاعات في القارة وسعي المزيد من الدول الأفريقية للحصول على شركاء أمنيين.

وبالتالي فإن معالجة هذه النزاعات أو تحقيق الاستقرار فيها أو حلها يتطلب مزيجاً من الدبلوماسية والتدخل العسكري، فقد تسارع روسيا لملء هذه الفراغات الأمنية، إذ بعد انسحاب القوات الفرنسية من مالي العام الماضي، سارعت موسكو لتوقيع اتفاقية أمنية معها.

وعلى النقيض من ذلك فإن تراجع فرنسا في غرب أفريقيا كان بمثابة جرس إنذار، هزّ هيمنتها العسكرية، وسلط الضوء على الحاجة إلى بناء شراكات متكافئة وحقيقية في القارة.

 حقبة فرانس أفريك

أثرت الانتكاسات الأمنية والدبلوماسية بشكل مباشر على القوة الناعمة لفرنسا، والتي تُعد ضرورية، إذا ما أرادت باريس الحفاظ على نفوذها الدولي، في مواجهة منافسين يتمتعون بقوة عسكرية واقتصادية أكبر.

وبعد أن شعرت الدول الإفريقية بالإهمال من قبل مستعمرهم السابق، أداروا ظهرهم له، وقوضوا جاذبيته الثقافية، ففي يوليو 2023، تبنّت مالي دستوراً جديداً ألغى الفرنسية لغة رسمية.

 أما رواندا، فقد استبدلت الفرنسية بالإنجليزية في المدارس والجامعات، في حين انضمت توغو والغابون إلى الكومنولث في عام 2022.

ومع ذلك، تُعد هذه التحركات بمثابة تفكك تدريجي لما يُعرف بـ “فرانس أفريك”، وتُعبر عن التحولات في المشاعر تجاه فرنسا، وتكشف عن حقيقة أن غالبية الأفارقة اليوم، شباب لم يعيشوا تحت الحكم الفرنسي، لأن معظم دولهم الناطقة بالفرنسية حصلت على استقلالها في عام 1960، في حين أن جيبوتي آخر مستعمرة فرنسية، نالت استقلالها في عام 1977.

 ولكن بعد عقود من بسط النفوذ السياسي والعسكري والاقتصادي في القارة، بدأت فرنسا تقلص وجودها في أفريقيا، في ظل مشاعر الاستياء المتزايدة في العديد من الدول تجاها، أي أن نفوذها في القارة لن يعود إلى ما كان عليه في السابق، وأن النجاح يكمن الآن في التكيّف مع الواقع الجديد.

أكبر تحدٍ  

اليوم، هناك 300 مليون ناطق بالفرنسية حول العالم، بزيادة نحو 10٪ منذ عام 2014، وتشير دراسة حديثة إلى أن 44٪ منهم يعيشون في أفريقيا جنوب الصحراء.

 وبحسب تقديرات إحدى الهيئات التي تراقب إحصاءات اللغة، قد تصل نسبة المتحدثين بالفرنسية في القارة إلى 85٪ بحلول عام 2050.

 ومن المهم أن تعيد فرنسا تعريف سياستها الإفريقية، فالصداقة والروابط التي بنتها باريس على مر الزمن مع أفريقيا، سواء مع قادتها السياسيين أو الاقتصاديين أو المفكرين، تبرر بذل كل الجهود الممكنة لبناء تعاون جديد في جميع القطاعات، مثل: الثقافة والتعليم، الصحة والصناعات الدوائية، والطاقة والتعدين، والزراعة والصناعات الغذائية، والنقل والبنية التحتية.

وبينما تتخذ فرنسا قرارها في خضم هذا المشهد المعقد، عليها أن تزن العواقب بعناية لتجنّب تفكيك إمبراطورية ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالقارة الأفريقية على مدى قرون، فقد يتوقف مستقبل فرنسا ومكانتها على الساحة الدولية إلى حد كبير على الخيارات التي ستتخذها فيما يتعلق بعلاقاتها ومشاركاتها في أفريقيا.

تراجع التجارة

تُظهر بيانات وزارة المالية الفرنسية أن التجارة مع دول أفريقيا جنوب الصحراء في تراجع مستمر، حيث تمتلك هذه الدول احتياطيات ضخمة من الموارد الطبيعية والمعادن الحيوية، مثل: اليورانيوم والذهب والمعادن الثمينة، وهي عناصر أساسية في إنتاج البطاريات للسيارات الكهربائية، والمغناطيسات لتوربينات الرياح، وأشباه الموصلات، وكابلات الألياف البصرية، والهواتف المحمولة في فرنسا والغرب.

 وفي عام 2023، شكّلت أفريقيا 1.9٪ فقط من التجارة الخارجية الفرنسية، منها 15٪ من إمدادات فرنسا من المعادن الاستراتيجية، و11.6٪ من إمداداتها من النفط والغاز، وفي عام 2024، انخفضت هذه النسبة إلى 1.8٪.

وأهم شريكين تجاريين لفرنسا في أفريقيا جنوب الصحراء، هما: نيجيريا وجنوب أفريقيا، مستعمرتان بريطانيتان سابقتان لم تستضيفا أي قاعدة عسكرية فرنسية قط.

ومع ذلك، تتجه الدول الأفريقية نحو إقامة شراكات مع لاعبين عالميين متنوعين مثل الصين والهند والإمارات العربية المتحدة، مبتعدة عن الروابط التاريخية التي كانت تربطها سابقاً بفرنسا.

وعلى النقيض من ذلك، لا يقتصر اهتمام روسيا والصين في منطقة الساحل على الجوانب الاقتصادية والمادية فحسب، بل هناك أيضاً عنصر القوة الناعمة، ما يجعل من المنطقة ساحة جديدة في المنافسة العالمية على النفوذ، مع تداعيات بعيدة المدى على أفريقيا وأوروبا والعالم بأسره.

الاستثمارات الصينية

الأرقام تكشف عن القصة بوضوح، بين عامي 2010 و2023، حيث ارتفعت الاستثمارات الصينية في أفريقيا بنسبة 200%، متجاوزة حاجز الـ200 مليار دولار سنوياً.

فيما تراجعت حصة فرنسا من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بشكل مستمر، وهذا التحول الاقتصادي يعيد تشكيل الشراكات عبر القارة.

وهذا التراجع سيؤدي في كل من القوة الصلبة والناعمة حتماً إلى تأثير سلبي على البصمة الاقتصادية لفرنسا في القارة الأفريقية، فقد شكّل الارتباط الثقافي، الذي ينشأ لدى النخب الأفريقية خلال دراستهم في الجامعات، دافعاً رئيسياً لتوسيع التجارة الدولية لفرنسا، غير أن التراجع في الإقبال على هذه الفرص سيؤدي بلا شك إلى فتور في العلاقات التجارية.

 وعلى باريس أن تتقبل، على الأقل في المدى القصير، أنه سيكون لها قدرة أقل على التحكم بما يحدث في منطقة الساحل، بما في ذلك جهود مكافحة الإرهاب وإعادة الانخراط مع الحكومات الأفريقية بطريقة جديدة، أقل اعتماداً على الحلول العسكرية.

 وإن لم تفعل ذلك، فإن فرنسا تواجه خطراً كبيراً بأن يتم تهميشها على الساحة الأفريقية، ما سيقوض جهودها في الحفاظ على دورها ومكانتها في مشهد جيوسياسي سريع التغير، حيث أصبحت الاتفاقيات العسكرية والروابط التاريخية أقل أهمية من ذي قبل.

إعادة ضبط السياسات

في ظل تصاعد المنافسة الاقتصادية والسياسية والنفوذية في إفريقيا، لا يمكن لباريس أن تبقى على الهامش، ومع ذلك، وفي هذه اللحظة الحاسمة، لم تقم فرنسا بعد بصياغة بداية جديدة ملموسة، أو انطلاقة فعلية لسياسة متجددة في إفريقيا.

وينبغي أن تُظهر استراتيجيتها الجديدة تجاه الشراكة مع الدول الأفريقية بوضوح رغبتها في تصحيح أخطائها السابقة وإعادة تصور نهجها الدبلوماسي في القارة، حيث تتاح الفرصة أمامها لاستعادة شعبيتها المفقودة وإعادة تقييم نهجها الذي كان يركز بشكل أساسي على الأمن.

وهذا يشير إلى أن التدخلات العسكرية الفرنسية في إفريقيا لم تعد تحظى بالتأثير المرغوب، إلا أن الحكم على مدى نجاح الاستراتيجية الجديدة في تمكين فرنسا من تجاوز نهجها السابق لا يزال مبكراً.

 وتبدو محاولات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإعادة ضبط علاقة فرنسا بمستعمراتها الإفريقية السابقة متعثرة، فبعد سبع سنوات من توليه الحكم ووعوده بالإصلاح، تشير رغبة عدد متزايد من دول غرب أفريقيا في إخراج القوات الفرنسية إلى انهيار في العلاقات.

 وعلى النقيض من ذلك، فإن طرد القوات والدبلوماسيين الفرنسيين من دول مثل مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، لا يُعد تأييداً لاستمرار الوجود الفرنسي، بل إن التوجه الذي سلكته حكومات هذه الدول يبدو مناقضاً لمصالح باريس، ويتجلى ذلك في تقاربها المتزايد مع روسيا والصين.

تحول مهم

إن انسحاب القوات الفرنسية من غرب إفريقيا يُجسّد مظالم تاريخية عميقة، وإحباطات معاصرة، وتحولاً في المشهد الجيوسياسي، كما يعكس رغبة متزايدة لدى دول المنطقة في تأكيد سيادتها، وتولي مسؤولية أمنها بنفسها، وتنويع شراكاتها الدولية.

 وهذا الاتجاه لا يُعد مجرد رفض لفرنسا، بل يمثل تحولاً أوسع نحو إعادة تعريف العلاقة بين إفريقيا والقوى الخارجية، ومع احتفال معظم الدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية بمرور 55 عاماً على استقلالها هذا العام، فقد يكون الوقت مناسباً لإعادة تقييم العلاقات بينها وبين فرنسا.

نهج مختلف

بينما تتراجع فرنسا، تتجه إفريقيا نحو الشرق، فقد بدأت روسيا، الصين، ودول أخرى بملء الفراغ، مقدّمة شراكات تبدو -على الأقل ظاهرياً- أكثر إنصافاً، إذ   رسّخت روسيا وجودها بالفعل في مالي وبوركينا فاسو، عبر تقديم مساعدات أمنية مقابل الوصول إلى الموارد الطبيعية.

 أما الصين، فمن خلال مبادرتها “الحزام والطريق”، تستثمر بكثافة في مشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء القارة، ورغم أن هذه التحالفات الجديدة تحمل مخاطرها الخاصة، إلا أنها تمثل انقطاعاً عن الهيمنة التاريخية للقوى الغربية.

ولأول مرة منذ قرون، تملك الدول الأفريقية فرصة التفاوض وفق شروطها الخاصة، وإن هذا التحول ليس جيوسياسياً فحسب، بل هو نفسي أيضاً؛ إذ يُشير إلى نهاية العقلية الاستعمارية وبداية عصر جديد لإفريقيا.

تحالفات

وعلى النقيض من ذلك، فإن بروز تحالفات جديدة يجلب معه مجموعة من التحديات الخاصة به، فروسيا والصين، رغم وعودهما، ليستا فاعلتين بدوافع (غير أنانيّة)، فمصالحهما في إفريقيا مدفوعة بأجندات استراتيجية واقتصادية خاصة بهما، لذا، على الدول الإفريقية أن تتحرك بحذر، لضمان عدم استبدال شكل من أشكال التبعية بآخر.

على الصعيد الاقتصادي، تُعتبر الصين الفائز الأكبر في المنطقة، وهي الآن أكبر مستثمر في القارة، تليها الولايات المتحدة الأمريكية، ثم فرنسا، مع ازدياد الاهتمام من بريطانيا، وألمانيا، وتركيا، واليابان.

 ونتيجة لذلك، فإن الصين، اعتباراً من عام 2019، كانت تمتلك استثمارات مباشرة في أفريقيا بقيمة إجمالية بلغت 165 مليار دولار، بحسب دراسة لمدرسة لندن للاقتصاد، وفي اللعبة الكبرى الجديدة في أفريقيا، تُعد الأموال السلاح الأقوى.

ومع ذلك فإن التحدي الذي سيواجه الدول الأفريقية في المستقبل هو إيجاد توازن بين السيادة الوطنية والحاجة إلى حوكمة ديمقراطية مستقرة، فبدون إصلاحات داخلية جذرية، ستستمر التدخلات العسكرية الخارجية، سواء من قبل فرنسا أو روسيا أو غيرها من القوى، في تشكيل المشهد السياسي، غالباً على حساب المبادئ الديمقراطية.

روسيا والصين والإمارات

حماس القادة الأفارقة لعالم متعدد الأقطاب، له معنى أكبر من الناحية الاقتصادية، فنصف سكان إفريقيا جنوب الصحراء البالغ عددهم 1.2 مليار نسمة يفتقرون إلى الكهرباء، ونحو 400 مليون شخص في القارة لا يمكنهم الوصول إلى مياه الشرب النظيفة.

 وحل كل هذا يتطلب استثمارات ضخمة، يقدّرها البنك الدولي بنحو 7% من ناتجها المحلي الإجمالي في البنية التحتية كل عام، لتحقيق الوصول الشبه الشامل إلى المياه والكهرباء بالإضافة إلى تحسين الطرق بحلول عام 2030، أما الاستثمارات الحالية فهي تبلغ نحو نصف هذا الرقم فقط.

بالنسبة للقادة الأفارقة، فإن تنويع مصادر التمويل أصبح أكثر أهمية، وهذا بدأ يحدث بالفعل، خلال العقد الماضي، حيث استثمرت دول مجلس التعاون الخليجي بشكل جماعي أكثر من 100 مليار دولار في أفريقيا، إذ استثمرت الإمارات العربية المتحدة 59.4 مليار دولار، بينما استثمرت السعودية وقطر 25.6 مليار دولار و7.2 مليار دولار على التوالي.

التجارة

يبلغ حجم التجارة بين السعودية وإفريقيا جنوب الصحراء الآن 12 ضعف ما كان عليه قبل عقد من الزمن، وبالمثل، ارتفع إجمالي الواردات والصادرات بين الإمارات وإفريقيا جنوب الصحراء بنسبة تزيد عن 30% في نفس الفترة.

 كما أن شركات البناء التركية أنجزت مشاريع في إفريقيا بقيمة 85 مليار دولار، وهذه الاستثمارات والشراكات جاءت في الوقت المناسب وهي ضرورية للغاية.

وبحسب مؤسسة التمويل الأفريقية، فإن هناك فجوة تمويل في البنية التحتية في إفريقيا تُقدّر بـ150 مليار دولار سنوياً.

 وخلص تقرير الاستثمار العالمي الصادر عن الأونكتاد إلى أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى إفريقيا انخفضت إلى 45 مليار دولار في عام 2022، بعد أن بلغت مستوى قياسي بلغ 80 مليار دولار في عام 2021.

وعلى النقيض من ذلك، فقد شهدت الاستثمارات والقروض الصينية في أفريقيا تراجعاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، ويُعزى هذا التحول إلى عدة عوامل، من بينها التحديات الاقتصادية في الصين نفسها وتغير الأولويات نحو نماذج تنمية أكثر استدامة.

فيما زادت الإمارات من استثماراتها في إفريقيا في السنوات الأخيرة في قطاعات إنسانية وبنية تحتية واتصالات وزراعة، واستثمرت نحو 60 مليار دولار في القارة خلال العقد الماضي، ما يجعلها رابع أكبر مستثمر في تلك الفترة بعد الصين وأمريكا وأوروبا.

التنين والدب

من الحروب الأهلية والتمردات إلى التوترات العرقية والنزاعات القائمة على الموارد، بقيت إفريقيا قارة يطغى عليها الصراع، وعدم الاستقرار، لكنها برزت في السنوات الأخيرة، نقطة جذب رئيسية في المنافسة العالمية.

لقد جذبت وفرة الموارد الطبيعية، والسكان الشباب المتزايدين، والإمكانات الاقتصادية غير المستغلة، انتباه القوى العالمية، بما في ذلك الصين وروسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

لكن القارة الإفريقية باتت اليوم ساحة صراع تتنافس فيها القوى العالمية على توسيع نفوذها الجيوسياسي، وتعزيز استثماراتها الاقتصادية، وتحقيق مصالحها الاستراتيجية.

 ومع ذلك، بدأت الصين وروسيا تتفوقان على نظيراتهما الغربية، حيث تعتمد كلٌّ منهما استراتيجيات فريدة، وأحياناً متكاملة، لبسط نفوذها على القارة.

جاذبية إفريقيا

نقطة الجذب الرئيسية لإفريقيا هي ثروتها من الموارد، التي أصبحت العامل أكثر وضوحاً وأهمية استثنائية في ظل التوجه العالمي نحو مصادر الطاقة البديلة، سواء المتجددة أو غير المتجددة.

وعلى سبيل المثال، يُعزز استخراج المعادن الحيوية مثل: الكوبالت التقدم في الابتكار التكنولوجي، وتُعد جمهورية الكونغو الديمقراطية المنتج الرائد عالمياً له، والذي يُستخدم في صناعة شاشات الأجهزة وغيرها من التطبيقات.

في الوقت ذاته، ستصبح احتياطيات النفط في الجزائر وأنغولا ونيجيريا أكثر أهمية، مع سعي الدول إلى تنويع مصادرها بعيداً عن روسيا للحصول على الغاز الطبيعي، والابتعاد عن الوقود الأحفوري بشكل عام.

كما أن طرق التجارة التي تمر عبر البحر الأحمر، من شمال شرق إفريقيا إلى المحيط الهندي، تشهد عبور نحو 10% من حجم التجارة العالمية السنوية، ويمر هذا الطريق عبر كلٍّ من إريتريا، والسودان، والصومال، وهي ثلاث دول تسعى روسيا بنشاط إلى التقارب معها.

أما الصين، فقد خصصت هذا الطريق ضمن مبادرتها “طريق الحرير البحري”، حيث تهدف الصين من خلال هذه المبادرة إلى تعزيز البنية التحتية للموانئ في الدول التي تطل على المحيط الهندي.

وأخيراً، تُعد إفريقيا موطناً لأسرع نمو سكاني من فئة الشباب في العالم، وسيكون لهذا أهمية كبيرة في البحث عن أسواق مستقبلية، خاصة في قطاعات مثل التكنولوجيا والتعليم، حيث ينمو عدد سكان إفريقيا بوتيرة أسرع من أي قارة أخرى، وينتقل الأفارقة إلى المدن بوتيرة أسرع من غيرهم، وكلا الاتجاهين سيؤديان إلى زيادة في الطلب على كل القطاعات.

حصة التنين

حصة الأسد من مشاريع البنية التحتية في إفريقيا، ستُبنى بواسطة الشركات الصينية، التي كانت مسؤولة في عام 2020 عن 31٪ من جميع مشاريع البنية التحتية في إفريقيا التي تزيد قيمتها عن 50 مليون دولار، مقارنة بـ12٪ فقط في عام 2013.

أما الشركات الغربية، فلم تتجاوز مساهمتها المباشرة 12٪ تقريباً، بعد أن كانت 37٪ في عام 2013.

وواحدة من كل ثلاث مشاريع بنية تحتية رئيسية في إفريقيا تُبنى بواسطة شركات صينية مملوكة للدولة، وواحدة من كل خمس مشاريع يتم تمويلها من قبل بنك سياسي صيني.

في التسعينيات، كانت الشركات الأمريكية والأوروبية تستحوذ على أكثر من 85٪ من عقود البناء في القارة، ولم يكن يُذكر اسم الشركات الصينية حينها، أما اليوم، فالشركات الغربية تكافح للفوز بعقود في سوق يتوسع بسرعة، ويتوقع البنك الدولي أن طلب الإنفاق على البنية التحتية وحده سيتجاوز 300 مليار دولار سنوياً.

والحقيقة أن الصين وروسيا قد ضختا خلال العقدين الماضيين استثمارات ضخمة في الصناعة وبناء البنى التحتية.

وعلى النقيض من ذلك، لم تكلف الولايات المتحدة نفسها عناء تقييم سبب انخراط الصين المستمر في النشاط الاستثماري، وكان هذا التجاهل بمثابة خسارة لواشنطن ومكسب لبكين.

 وبالنظر إلى التقدم الكبير الذي أحرزته بكين وموسكو في إفريقيا خلال العقدين الماضيين، فإن أمام واشنطن طريقاً طويلاً وصعباً لتلحق بالركب، وفي ظل التنافس على كسب اهتمام إفريقيا، ستكون القوى الكبرى أكثر وضوحاً في سباقها على النفوذ والاستثمار في القارة.

  نقطة النمو الساخنة

إفريقيا ستُصبح، كما يقول الصينيون، نقطة النمو الساخنة التالية في العالم، فمع بعض الاستثناءات مثل السودان، فإن إفريقيا جنوب الصحراء تستعد للانطلاق نحول المستقبل.

الصين كانت في طليعة الدول المستثمرة في إفريقيا، فمن عام 2000 حتى 2022، قدمت المؤسسات المالية الصينية المملوكة للدولة قروضاً بقيمة 170 مليار دولار للقارة، خُصص نحو ثلثي هذا المبلغ للبنية التحتية مثل الطرق والسكك الحديدية والموانئ.

 وساهم المشروع الصيني الواحد في رفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بنسبة تتراوح بين 0.41 و1.49 نقطة مئوية بعد عامين فقط، فهي تهيمن الآن على القارة، وتعد الشريك التجاري الثنائي الأكبر لها، والدائن الثنائي الأول، وأكبر مستثمر فيها.

 ولمدة 35 عاماً، كانت أول رحلة خارجية لوزير الخارجية الصيني كل عام تتجه دائماً نحو أفريقيا، ولا تزال مصالح الصين ونفوذها يتوسعان في الدول الأفريقية، فبكين تشتري الدعم السياسي والحصول على المواد الخام من خلال استثمارات ضخمة في البنية التحتية.

صراع الصين وروسيا  

أثار الوجود المتزايد للصين وروسيا في إفريقيا، اهتمام القارة والغرب على حد سواء، حيث تجاوزت التجارة والاستثمارات الصينية والروسية مثيلاتها من أوروبا والولايات المتحدة.

 لكن اللعبة الطويلة للصين في إفريقيا لا تتعلق فقط بالنفوذ الاقتصادي أو القوة العسكرية، بل تشمل أيضاً فن الدبلوماسية والتأثير بشكل دقيق، إذ أدى تزايد مكانة الصين في القارة -التي تسميه “العصر الجديد”- إلى زعزعة التوازنات الجيوسياسية القائمة بشكل ملحوظ، كما غيّر من نظرة إفريقيا تجاه الصين.

المصالح الصينية

على مدى أكثر من عقدين، كانت هيمنة الصين المتزايدة في إفريقيا تتجسد من خلال عروض ضخمة للبنية التحتية، فمن الأبراج الشاهقة إلى المطارات والموانئ الفاخرة المنتشرة على سواحل القارة، قفزت استثمارات الصين في إفريقيا لتصل إلى أكثر من 700 مليار دولار العام الماضي، ضمن مبادرة “الحزام والطريق”، وهو المشروع الصيني العملاق للبنية التحتية العالمية.

وبفضل القواعد الاستراتيجية والصفقات التجارية الضخمة، تجاوز نفوذ بكين في أفريقيا من مجرد التجارة، ليتحول إلى بناء إمبراطورية، ما يفرض تحديات متعددة على الغرب.

ومع ذلك، تعمل بكين على توسيع نفوذها من خلال حماية استثماراتها الضخمة، فضلاً عن ما يُقدّر بمليون مواطن صيني يقيمون في أنحاء القارة.

كما نشرت الصين أكثر من 20 منظمة أمنية خاصة في أكثر من 30 دولة إفريقية، مثل نيجيريا وجنوب إفريقيا، حيث تنتشر الجاليات الصينية، وتوفر هذه الخدمات الأمنية -التي تقدمها في الغالب شركات صينية- تقييمات للمخاطر، وتدريباً، وحماية للأصول الاقتصادية، ما يبرز اهتمام بكين بحماية مصالحها المتزايدة في القارة.

وفي العقود الأخيرة، أدى تجدد التنافس بين القوى الكبرى إلى سعي كل من روسيا والصين لتأكيد نفوذهما في أفريقيا، وغالباً ما يقدمان نفسيهما بديلين عن الشراكات الغربية، ولكن لم تكن بكين وحدها القوة الأجنبية التي تسعى لبسط نفوذها في أفريقيا.

 وفي السنوات الأخيرة، سعت روسيا بدورها إلى التوسع، وقدمت نفسها لشعوب القارة من خلال مزيج ذكي من الإقناع والقوة والمال، باعتبارها وسيلة لتحقيق طموحاتها الجيوسياسية.

الشريك الأمني المفضل

تُعتبر روسيا الشريك الأمني المفضل لعدد من الحكومات الإفريقية في المنطقة، التي همشت الحلفاء التقليديين مثل فرنسا والولايات المتحدة، فعقود من النزاعات في شرق ووسط إفريقيا تعكس حالة عدم الاستقرار التي تعيشها هذه الدول، لذا أصبح الاعتماد على العروض الروسية أمراً شائعاً بشكل متزايد، في ظل سعي موسكو الحثيث لتقليص النفوذ الغربي في القارة.

روسيا تتوسع في منطقة الساحل الغنية بالمعادن والتي تعاني من انقلابات متكررة، وتمردات مسلحة، وتمدد الجماعات المتطرفة، حيث أصبح وجودها واقعاً جيوسياسياً، حاضراً بقوة، وإن لم يكن دائماً، إلا أنه يعكس إعادة خلط الأوراق بين القوى الواقعة جنوب البحر الأبيض المتوسط، وفي السودان، والنيجر، وليبيا، وبوركينا فاسو، ومالي، وجمهورية أفريقيا الوسطى، حيث تنسج موسكو شبكة من النفوذ تخدم أجندتها الجديدة في المواجهة مع الغرب.

وعلى مدار العام ونصف الماضيين، شهدت منطقة الساحل تغيّرات دراماتيكية، من بين هذه التحوّلات المتقلبة كان خروج القوى الغربية الكبرى من المنطقة، وتوسّع العلاقات مع موسكو وبكين، وتفاقم الأزمات الأمنية، إلى جانب تصاعد مخاطر تسلل الجماعات الجهادية إلى دول غرب أفريقيا الساحلية.

الولايات المتحدة

المشهد المتغير بمجمله جعل من الصعب على الولايات المتحدة الاستمرار في تقديم مساعداتها الأمنية التقليدية لمواجهة التهديدات الإرهابية، ومن ثم، كان من المفروض أن يتحوّل مركز ثقل القوى العالمية نحو إفريقيا.

وفي ظل تغيّر موازين القوى، تشهد القارة الإفريقية -التي يُتوقع أن تمثّل نحو 30% من سكان العالم خلال العقود المقبلة- سباقاً دبلوماسياً محموماً تقوده جميع القوى الأجنبية الكبرى.

ومع ذلك، قلة من الناس تولي هذا الأمر اهتماماً، لكن روسيا والصين تدركان حجم الرهان، إذ لا تزال إفريقيا تمثل وعداً للقوتين العظميين، فهي منطقة لم تتطوّر بالكامل بعد، لكنها تحتضن العديد من الاقتصادات سريعة النمو.

 وفي سعيهما لتحقيق مكاسب اقتصادية، تنظر روسيا والصين إلى إفريقيا على أنها أرض خصبة للفرص، ومع تسابقهما لفرض السيطرة الاقتصادية على القارة، يصبح من المهم فحص الاستراتيجيات التي يعتمدها كل منهما بعناية.

مسار تصادمي

رغم أن الصين وروسيا لا تتنافسان بشكل صريح في إفريقيا، إلا أن بعض أهدافهما غير متوافقة، ما قد يخلق مشكلات في المستقبل، فكلتاهما، مثل جميع الدول، تضع مصالحها الخاصة في صميم سياساتها في إفريقيا، لكن الصين تُضمّن عنصر التعاون المتبادل في نهجها، وهو ما تفتقر إليه روسيا.

وترى موسكو إفريقيا من منظور أكثر فعالية، وتركز بشكل أكبر على تقويض النفوذ الغربي، حتى وإن كان ذلك على حساب الاستقرار.

 أما الصين، فنهجها أكثر شمولاً، يجمع بين الاستثمار في البنية التحتية، وبناء قدرات الحكومات الإفريقية، والانخراط في الأمن الإقليمي، وهدفها هو توسيع نموذج الحكم الصيني إلى إفريقيا وخارجها، وبناء أسواق للمنتجات الصينية، ولتحقيق هذا، تحتاج الصين إلى الاستقرار، وهو ما يجعل دور روسيا مسبب للفوضى غير مفيد لها.

ويبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن لبكين أن تتسامح مع هذه الفوضى؟،
الإجابة على هذا السؤال ستكشف الكثير عن طبيعة العلاقة بين البلدين.

لم يعد السؤال ما إذا كانت إفريقيا ستنهض لتلبي متطلبات عالم سريع العولمة، بل كيف ستفعل ذلك من خلال البناء على نقاط قوتها الكامنة

 الجبهة الحديثة

تعرف إفريقيا بشكل متزايد باعتبارها الحدود القادمة للنمو الاقتصادي العالمي، وبحلول عام 2050، يُتوقع أن تمثل أفريقيا 25% من سكان العالم.

وتتمتع القارة بإمكانات هائلة، تتمثل في مواردها الطبيعية المتنوعة، وشبابها المتزايد، وابتكاراتها غير المستغلة بعد، فهي موطن لأصغر وأسرع سكان العالم نمواً، ومدنها تشهد توسعاً سريعاً.

 وتبدي إفريقيا جرأة في الابتكار في مجالات مثل: التكنولوجيا المالية والطاقة النظيفة، لأن هذه العوامل تفتح الباب أمام نمو قوي وشامل يستغل الإمكانات البشرية والطبيعية الهائلة في القارة، ليس فقط لتحقيق الرخاء داخل أفريقيا، بل أيضاً لدعم الاقتصاد العالمي بأسره.

ولم يعد السؤال: هل ستنهض أفريقيا لتلبية متطلبات عالم سريع العولمة؟، بل أصبح: كيف ستنهض بينما تبني على نقاط قوتها الكامنة؟، فهل أفريقيا هي “قارة المستقبل”؟.

سكان العالم

عدد سكان العالم سيبلغ 10 مليارات نسمة بحلول عام 2050، وفي كل عام يعاني نحو 30% من سكانه من الجوع، وتصل النسبة في أفريقيا إلى 60%.

 ومع ذلك، فإن أفريقيا، بمواردها الطبيعية الشاسعة، تتملك القدرة ليس فقط على إطعام سكانها المتزايدين، والذين يُتوقع أن يصل عددهم إلى 2.5 مليار نسمة بحلول عام 2050، بل والمساهمة بفاعلية في تحقيق الأمن الغذائي العالمي.

وهذا يشير إلى أن مصير كوكب الأرض يرتبط بشكل مباشر بتطور إفريقيا، ويجب أن يكون توجيه الاستثمارات نحو إفريقيا أولوية عالمية، إذ أن تقدمها يصب في مصلحة البشرية جمعاء.

ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي للصين ما بين 5 إلى 6 أضعاف الناتج الاقتصادي لإفريقيا، ما يعني أن القارة يمكن أن تستفيد بشكل كبير من اتفاقية تجارة حرة بين الصين والاتحاد الإفريقي، خاصة إذا تضمنت هذه الاتفاقية وصولاً معفى من الرسوم الجمركية إلى السوق الصينية الضخمة.

وتبقى الصين أكبر شريك تجاري ثنائي لإفريقيا، ورغم انخفاض القروض، فإن حجم التبادل التجاري شهد ارتفاعاً، وبفضل الطلب المتزايد على المعادن الإفريقية، خاصة تلك اللازمة للتحول نحو الطاقة النظيفة.

وبلغ إجمالي حجم التبادل التجاري في عام 2023 رقماً قياسياً بلغ 282 مليار دولار، أي ما يعادل 9.9% من الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا، وارتفاعاً بأقل من 200 مليار دولار، أو 7.8% من الناتج المحلي، قبل أربع سنوات فقط، وكان هذا الرقم في عام 2023 أكثر من ضعف حجم التبادل التجاري مع الهند، ثاني أكبر شريك تجاري فردي للقارة.

بالمحصلة، إفريقيا تتغير بسرعة تجعل من الصعب تجاهلها، وتواجه على المدى القصير العديد من التحديات، من بينها تهديدات الإرهاب المتطرف، إلا أنها على المدى الطويل قد تنافس القوة الاقتصادية للصين.

  الكثافة السكانية في إفريقيا تنمو بوتيرة أسرع من أي قارة أخرى، كما أن الأفارقة ينتقلون إلى المدن بوتيرة أسرع من بقية شعوب العالم، وهذان الاتجاهان سيؤديان إلى زيادة الطلب

EIR

EIR

منصة عالمية موثوقة، متخصصة في تقديم تحليلات سياسية، واستراتيجية معمقة، إضافة إلى معلومات استخباراتية حصرية، لصنّاع القرار والباحثين والجمهور المهتم بشؤون العلاقات الدولية الراهنة.
موضوعات أخرى
تقرير
تقرير
تقرير
تقرير
تقرير
تقرير
تقرير
تقرير
Eagle Intelligence Reports
Privacy Overview

This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.