Getting your Trinity Audio player ready...
|
كشفت مصادر مطّلعة عن قرار صادر عن مجلس السيادة السوداني، برئاسة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، تم بموجبه اعتماد سياسة تُتيح منح الجنسية السودانية وحق التوطين لعناصر من “الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي” (TPLF) الإثيوبية، وذلك في إطار السعي لضمان استمرار مشاركتهم في القتال الدائر ضد قوات الدعم السريع، وتعزيز الحضور العسكري على جبهات القتال.
ويأتي هذا التوجه بعد أكثر من عام على استعانة الجيش السوداني بمقاتلين من تيغراي في جبهات متعددة، لا سيما في العاصمة الخرطوم وولايات دارفور وكردفان، حيث تشير المعلومات إلى أن هؤلاء المقاتلين لعبوا أدوارًا مباشرة في العمليات القتالية، مستفيدين من خبراتهم السابقة في الحرب التي خاضوها ضد الحكومة الفيدرالية الإثيوبية.
وتشير المعلومات إلى أن غالبية العناصر المقاتلة من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي تم حشدها خلال الحملة العسكرية التي شنها الجيش السوداني لاستعادة السيطرة على مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، مطلع العام الجاري، كما قام الجيش عمل أيضاً بنشر نحو 400 من مقاتلي التيغراي في القتال الدائر حاليًا بولاية غرب كردفان.
التطور يأتي بعد أكثر من عام على بدء القوات المسلحة السودانية نشر مقاتلي التيغراي في عدة جبهات قتالية، لا سيما في العاصمة الخرطوم، وكذلك في ولايات دارفور وكردفان
ويتمركز مقاتلو التيغراي بشكل رئيسي في مدينة ود مدني بولاية الجزيرة، ومنطقة الهشابة في ولاية النيل الأبيض، وغرب كردفان.
ولفتت المصادر إلى أن عناصر التيغراي المنخرطين في القتال إلى جانب الجيش يستغلون أوضاع اللاجئين الإثيوبيين في معسكر أم راكوبة، الواقع في محلية القلابات الشرقية بولاية القضارف شرقي السودان، لتجنيد اللاجئين وإشراكهم في المعارك ضد قوات الدعم السريع. ويؤدي غياب الرقابة المشددة والظروف المعيشية القاسية داخل المعسكر إلى تحويله إلى حاضنة هشّة للتجنيد، في ظل فراغ إنساني وأمني يجعل من استقطاب الشبان أمرًا سهلاً لمجموعات مسلّحة تبحث عن تعزيز صفوفها.
مقاتلو التيغراي المتحالفون مع الجيش السوداني، يقومون بتجنيد لاجئين إثيوبيين داخل معسكر أم راكوبة، الواقع في محلية القلابات الشرقية بولاية القضارف، شرقي السودان
وفيما يتعلق بقدرتهم على تجنيد عناصر جديدة، أوضحت المصادر أن الأوضاع الإنسانية المتدهورة، وصعوبة عودة اللاجئين إلى بلادهم، تُسهّل هذه المهمة، حيث يُقدَّم الانخراط في القتال كنافذة للهروب من واقع المعسكر، مقابل الحصول على مبالغ مالية لإعالة أسرهم.
وتُعد خطوة تجنيس مقاتلي التيغراي امتدادًا لاستراتيجية عسكرية يتّبعها الجيش، تقوم على تجنيد مقاتلين أجانب لرفد الجبهات وتقليل الضغط عن القوات النظامية التي تعاني من استنزاف كبير منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.
ولا تقتصر سياسة التجنيس على مقاتلي تيغراي فحسب، بل شملت في مراحل سابقة عناصر من جنسيات أفريقية أخرى، تم توطينهم مع عائلاتهم، مقابل انخراطهم في القتال إلى جانب الجيش. وتُدار هذه السياسة بسرية تامة، في ظل غياب أي رقابة مدنية أو برلمانية على هذا النوع من القرارات ذات الحساسية الوطنية.
ويسعى الجيش السوداني إلى استغلال مقاتلي تيغراي الذين غادروا الإقليم بعد فقدانهم السيطرة عليه، في ظل الانقسامات التي تعصف بقيادة الجبهة، ما يدفعهم للبحث عن ملاذات جديدة. ويجد هؤلاء في السودان فرصة لإعادة التموضع في ساحات النزاع، مقابل الحصول على هوية جديدة وامتيازات مادية.
وحذّرت المصادر من أن إدماج عناصر أجنبية في صراع داخلي قد يحمل تداعيات خطيرة على المستويين المجتمعي والسياسي، خاصة إذا تصاعدت التوترات بين السكان المحليين وهذه العناصر، أو إذا تحوّلت لاحقًا إلى مجموعات مسلحة لها أجندات خاصة. كما أن استخدام هذه العناصر كورقة ضغط سياسي أو أمني في مرحلة ما بعد الحرب، قد يُفاقم الانقسام داخل المؤسسة العسكرية نفسها، ويُعمّق الأزمة الوطنية التي يعيشها السودان.
السياسة الحالية بالغة الحساسية تُنفذ بهدوء، متجاوزة أي رقابة مدنية أو برلمانية، رغم ما تحمله من تداعيات وطنية بعيدة المدى