Getting your Trinity Audio player ready...
|
السيناريوهات والاحتمالات
في أعقاب الضربة العسكرية التي وجهتها الولايات المتحدة إلى إيران بهدف إنهاء برنامجها النووي، بدأت ملامح تحول استراتيجي تظهر في خطاب القادة الإسرائيليين، وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، الذي ألمح إلى قبول وقف الحرب في حال توقف إيران عن الرد. ولا يُعبّر هذا التحول عن تبدّل في الرؤية بقدر ما يعكس استنزافاً ميدانياً ملموساً تعيشه تل أبيب في ظل الضربات المتبادلة مع طهران.
الولايات المتحدة، التي حاولت بعد الضربة مباشرة النأي بنفسها عن التصعيد، سارعت إلى طمأنة طهران عبر القنوات الدبلوماسية بأنها لا تسعى إلى تغيير النظام. إلا أن تصريحات لاحقة للرئيس الأمريكي، تحدث فيها عن تغيير النظام الإيراني: “إذا كان عاجزاً عن جعل إيران عظيمة مجدداً”، عكست تغيراً واضحاً في الخطاب وفتحت الباب أمام احتمالات أكثر حدة في إدارة التصعيد.
ورغم التفوق الجوي والتكتيكي الواضح لأمريكا وإسرائيل، إلا أن المعطيات الميدانية تشير إلى أن إسرائيل دخلت مرحلة استنزاف حقيقية، تظهر آثارها في الضغط الاقتصادي المتزايد وتآكل صلابة الجبهة الداخلية.
في هذا السياق، تبرز فرضية حساسة: هل تقدم إسرائيل على تصفية المرشد الأعلى علي خامنئي كخطوة حاسمة لكسر حالة الاستنزاف؟.
الحديث عن اغتيال المرشد الأعلى ليس جديداً، لكنه يعود إلى الواجهة مع تصاعد الكلفة الاستراتيجية للحرب. ورغم أن تنفيذ مثل هذه العملية لا يزال غير واضح تماماً، إلا أن بعض الأوساط الإسرائيلية تناقش جدواها ضمن ما يُعرف بـ”الحسم الاستراتيجي”.
انفتاح إسرائيل على إنهاء النزاع – في حال أوقفت إيران ردّها – لا يعكس تحوّلاً في رؤيتها الاستراتيجية، بل يُجسّد الكلفة المتصاعدة للمواجهة التي باتت تل أبيب تُعانيها وسط استمرار تبادل الضربات مع طهران
من بين المحفزات المحتملة لدفع إسرائيل لهذا الخيار: الاعتقاد بأن اغتيال خامنئي قد يُربك بنية القرار في طهران ويضعف قدرة النظام على الاستمرار، اعتبار الخطوة رداً استباقياً على أي تصعيد إيراني قد يدخل إسرائيل في حرب طويلة، تراجع قدرة الردع الإيرانية، الانقسام الدولي وعجزه عن ردع إسرائيل إذا نُفذت العملية بدقة عالية ومن دون أثر مباشر.
السيناريوهات المحتملة بعد الاغتيال
السيناريو الأول: شلل النظام الإيراني وسقوطه المفاجئ قد يؤدي غياب خامنئي المفاجئ، خاصة إذا تزامن مع اغتيال قيادات الصف الأول، إلى فراغ قيادي واضطراب واسع داخل مؤسسات الدولة. وفي حال استغلال إسرائيل للوضع بدفع واشنطن نحو تدخل عسكري واسع، فقد يشهد النظام سقوطاً دراماتيكياً سريعاً.
السيناريو الثاني: تسلُّم الصقور الحكم في حال تفعيل خطة توريث طارئة، يتسلم مجتبى خامنئي السلطة بدعم من الحرس الثوري والتيار المتشدد. يطلق النظام حينها مرحلة “الانتقام الكبير”، من خلال ضربات صاروخية مكثفة على إسرائيل، واستهداف المصالح الأمريكية، وتحريك وكلاء إيران في المنطقة، ضمن استراتيجية فوضى منظمة تهدف إلى إعادة فرض معادلة الردع.
السيناريو الثالث: انقسام داخلي وفوضى ممتدة إيران تعاني من أزمات داخلية ونزعات انفصالية في مناطق عدة مثل الأهواز وكردستان وبلوشستان. قد يؤدي اغتيال خامنئي إلى تفجر هذه التوترات، فتدخل البلاد في حالة من الفوضى الداخلية والاحتراب الأهلي، وتفقد الدولة المركزية السيطرة على أطرافها.
أي السيناريوهات هو الأقرب؟
السيناريو الثالث، المتمثل في الفوضى والانقسام دون انهيار كامل للنظام، يبدو الأكثر ترجيحاً. فالنظام الإيراني يمتلك بنية عميقة تمكّنه من البقاء، لكنه قد يتحول إلى سلطة أكثر قمعاً وعنفاً. أما السيناريو الثاني، تسلم الصقور، فيأتي في المرتبة الثانية من حيث الاحتمال، لامتلاك النظام خططاً جاهزة لمرحلة ما بعد خامنئي. بينما يظل السيناريو الأول، سقوط النظام المفاجئ، هو الأضعف احتمالاً، ما لم تتدخل الولايات المتحدة عسكرياً بشكل واسع إلى جانب إسرائيل.
عودة فكرة اغتيال المرشد الأعلى في إيران إلى واجهة النقاش تعكس تصاعد الشعور بالضيق الاستراتيجي داخل الأوساط الإسرائيلية، في ظل عجز أدوات الردع التقليدية عن تحقيق الحسم
في كل الأحوال، فإن خيار اغتيال المرشد الأعلى سيبقى مغامرة كبرى، محفوفة بالمخاطر، وقد تُحدث صدمة استراتيجية في الإقليم بأسره، دون أي ضمان على أن نتائجها ستكون في مصلحة من بدأها. ولأن الحرب لا تنتهي عند اغتيال قائد، بل تبدأ أحياناً من لحظة غيابه، فإن المراهنة على هذا الخيار قد تقود المنطقة إلى منعطف لا يمكن التنبؤ بنهاياته.
اغتيال المرشد الأعلى لإيران سيكون مقامرةً تاريخية قد تُحدث صدمة إقليمية كبرى دون أي ضمان بأن نتائجها ستخدم من بدأها