Getting your Trinity Audio player ready...
|

رغم رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التعليق على التقارير التي تتحدث عن معارضة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تنفيذ خطة إسرائيلية لاغتيال المرشد الإيراني علي خامنئي، إلا أنه لم يخف طموحاته بأن تؤدي الضربات العسكرية على إيران إلى “تغيير النظام في طهران”.
واشنطن تدرك تماماً أن مثل هذه الخطوة غير محسوبة العواقب، وستجر الجميع إلى حرب شاملة، وقد يكون هذا هو السبب الرئيسي خلف معارضة الرئيس الأميركي لفكرة تصفية المرشد الإيراني، علاوة على أن شخصية ترامب تميل دائماً للظهور بمظهر صانع الصفقات، والقادر على إطفاء الحرائق، وهذا ما يسعى إليه فيما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية، حتى أنه حاول بطريقة أو بأخرى أن ينسب إنهاء التوتر بين باكستان والهند إلى نفسه.
ورغم هذه المعارضة، إلا أن ترامب عاد وتحدث عن السيطرة على سماء إيران بصيغة توحي بأن الولايات المتحدة هي من تقوم بذلك، وليس إسرائيل، مطلقاً تهديداً واضحاً بأن واشنطن تعلم مكان المرشد الإيراني، ولكنه آمن ولن يتم تصفيته حالياً، فيما بدا تهديداً واضحاً، تزامن مع نقل طائرات التزود بالوقود إلى الشرق الأوسط، في إشارة إلى توجه الرئيس الأمريكي نحو الموافقة على تزويد المقاتلات الإسرائيلية بالوقود، على أقل تقدير.
التصعيد نحو حرب شاملة أو محاولة إسقاط النظام الإيراني قد يجرّ المنطقة بأسرها إلى فوضى ذات عواقب بعيدة المدى وغير قابلة للتنبؤ، على المستويين الإقليمي والدولي
اًلرئيس الأمريكي يدرك تماماً أن سلوك نتنياهو قد يجر الجميع إلى حرب مفتوحة، إلا أن القناعة التي باتت شبه واضحة أن نتنياهو بات مقتنعاً أنه قادر على تغيير الشرق الأوسط بما يخدم المصالح الإسرائيلية وينهي أي تهديد مستقبلي لها، فبعد تصفية قيادات حزب الله اللبناني، الذراع الأهم لإيران في المنطقة، والقضاء على معظم قيادات حركة حماس في غزة، وسقوط النظام السوري، وتوجيه ضربة قوية للنظام الإيراني عبر تصفية غالبية القيادات العسكرية الإيرانية ونخبة من كبار العلماء النوويين، واستباحة الأجواء الإيرانية تماماً من قبل سلاح الجو الإسرائيلي، يجد نتنياهو نفسه في موقف يعتقد معه أنه قادر على إعادة ترتيب المنطقة وإنهاء محور المقاومة تماماً.
هذه النشوة الشخصية لدى نتنياهو تتقاطع تماماً مع شخصية ترامب الباحث دائماً عن صورة المنتصر، وزعيم الدولة الأقوى في العالم، ومن هنا قد يجد ترامب نفسه داخل اللعبة التي بدأها نتنياهو، لضمان عدم انفراد نتنياهو بالصورة، خاصة إذا ما وصلت الإدارة الأمريكية إلى معلومات تؤكد أن النظام الإيراني بات في حالة من الضعف لا يستطيع فيها الاستمرار بالمواجهة.
طهران حتى اليوم، يبدو أنها تمارس نوعاً من التصعيد المقنّن والمدروس، للحفاظ على الهيبة دون الانزلاق إلى فخ الحرب المفتوحة التي يريدها نتنياهو، فرغم أن حالة الوهن التي يعيشها النظام في طهران لم تعد موضع إنكار، وأن الضربات الإسرائيلية، سواء العسكرية أو الاستخباراتية، كانت ذات تأثير كبير على بنية النظام، إلا أنه ما زال يمتلك الكثير من الأوراق، وخاصة فيما يتعلق بتحريك الأذرع الإقليمية، واستخدام سلاح الفتوى الذي طالما كان من أهم الأسلحة بيد المرشد الإيراني.
بعد أن أدركت واشنطن أن الحرب الشاملة أو إسقاط النظام الإيراني سيكون تصرفاً متهوراً، سارعت إلى طمأنة طهران بأن الضربات لا تشكّل إعلان حرب ولا جزءاً من خطة أوسع
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقود سياسة تتجاوز مبدأ الردع المسبق إلى نمطٍ أكثر خطورة، وهو نمط فرط التمدد الاستراتيجي، ففي ظل التفوق العسكري الإسرائيلي، وعدم وجود ضغط دولي لإنهاء الحرب، يبدو أن نتنياهو في وضع يتيح له الذهاب بعيداً لتنفيذ مخططاته وأفكاره المتعلقة بتغيير وجه الشرق الأوسط، إلا أن هذا النهج من التحرك العسكري المتزامن يحمل في طياته مخاطر وجودية: فكلما اتسعت رقعة الجبهات، تراجعت القدرة على التحكم بها، وكلما تضخم الشعور بالقوة، اقترب النظام من عتبة الانكشاف الاستراتيجي.
ضمن هذا السياق، من الطبيعي التفكير بجدية حول انزلاق الجميع في حرب مفتوحة، فمواصلة نتنياهو توجيه ضربات قاتلة للنظام الإيراني قد تدفع طهران للتخلي عن سياسة التصعيد المدروس، والانزلاق نحو مواجهة مفتوحة يصعب احتواؤها، خاصة إذا ما وصل الأمر إلى البنية الأساسية للنظام، أي محاولة تصفية المرشد الإيراني بشكل فعلي. فرغم أن نتنياهو يعتقد أن مثل هذا الأمر قد ينهي الحرب، إلا أنه قد يفتح أبواب الجحيم على دول المنطقة كافة. فكما هو معروف، يعاني المرشد الإيراني من مرض السرطان منذ فترة طويلة، ومن المرجح وجود ترتيب لخلافته داخل دوائر السلطة، لكن تصفيته في ظرف كهذا قد يعزز من موقف صقور الحرس الثوري، وقد تشكّل هذه اللحظة شرارة الانفجار الإقليمي، حين تتحرر أذرع إيران من قيودها.
ما تمارسه إسرائيل حالياً مع إيران يحمل في طياته ذات التوجه الذي تبنّته منذ نحو عامين في غزة، دون أن تضع سيناريو واضح لنهاية الحرب، وماذا ستفعل في اليوم التالي لها، وهذا ما مارسته سابقاً الولايات المتحدة في العراق، فلم يكن هناك أي حديث لما بعد صدام حسين، والنتيجة عقود من الفوضى ودمار العراق، وتحوله إلى حديقة خلفية لإيران وأرض خصبة للمليشيات الطائفية التابعة للحرس الثوري الإيراني.

من غزة إلى لبنان وصولاً إلى إيران، تتكشف ملامح سياسة بلا أفق واضح، حيث لا يبدو أن نتنياهو يدرك حقاً ما الذي يسعى لتحقيقه، أو متى وأين ينبغي أن يتوقف، ما يؤدي في المحصلة إلى تعميق الأزمات وتوليد صراعات جديدة بدلاً من إنهائها.
ما يجري حالياً يوضح أن الرئيس الأميركي وإدارته يحاولون بكل جهدهم عدم انزلاق الجميع إلى فخ الحرب المفتوحة، وهذا ما تعمل عليه كذلك دول المنطقة، وخاصة الدول العربية القريبة من إدارة ترامب، ولكن لا أحد يستطيع التنبؤ بما سيقوم به نتنياهو، فقد يلامس الأعصاب الحساسة تماماً للنظام الإيراني، لإيصاله إلى مرحلة استخدام الأوراق كافة بلا قيود، فكل نظام إذا ما وصل لقناعة تامة بأنه منتهٍ لا محالة، لن يتردد عن حرق الجميع معه، وهذا ما يلامس كذلك شخصية الرئيس ترامب الباحث عن تسجيل نفسه كأحد أبرز الرؤساء الأمريكيين والقادر على إدارة العالم، وفقاً لرؤيته وأجندته.
في خضم هذا المشهد، تصبح الحرب -كما هي في التاريخ- عدوةً للعقل، فكل الأطراف تملك روايات للبداية، لكن لا أحد يعرف كيف ستنتهي، ولا إلى أين ستقود، وهكذا، فإن المنطقة تعيش الآن لعبة شطرنج محكومة بهاجس الردع والانفجار، حيث قد تُفضي خطوة واحدة خاطئة إلى فوضى إقليمية لا يمكن احتواؤها، وقد لا يكون هناك طريق للعودة.
ومع كل ذلك يبقى السؤال، هل لدى طهران خيار بديل غير الانفجار؟، وهل تستطيع دول الإقليم تشكيل شبكة احتواء قبل أن تسقط أول قطعة من رقعة الشطرنج؟، السيناريوهات عديدة والأمور متطورة، ولا أعتقد أن أحداً يعرف تماماً إلى أين ستؤول الأمور.
نتنياهو قد يُقدم على استهداف مفاصل القيادة الأكثر حساسية في النظام الإيراني