تعود إيران إلى دائرة العزلة الدولية بعد أن فعّلت دول الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) في 28 سبتمبر 2025 “آلية الزناد”، رداً على تجاوز طهران لنسبة تخصيب اليورانيوم المقررة في اتفاق 2015، حيث وصلت النسبة إلى نحو 60% بدلاً من الحد الأقصى البالغ 3.6%.
على مدار عقد كامل من رفع العقوبات، لم تفلح محاولات طهران والأوروبيين في إحياء الاتفاق النووي الذي وقع عام 2015 في عهد باراك أوباما، وانسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 2018، وفرضت حينذاك عقوبات مشددة على طهران، ما أعاد الأمور إلى نقطة الصفر، ورغم سعي إيران لكسب الوقت عبر محادثات مع الأوروبيين، إلا أن هذه الدول خلصت مؤخراً إلى أن الحوار لم يعد مجدياً، خصوصاً بعد الضربة الأميركية التي استهدفت منشآت نطنز وأصفهان وفوردو النووية.
ومع دخول العقوبات الأممية حيز التنفيذ بعد انتهاء مهلة الشهر، انهارت العملة الإيرانية إلى مستويات غير مسبوقة أمام الدولار في السوق السوداء، فيما تفاقمت الأوضاع المعيشية مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتراجع عائدات النفط ومعدلات النمو.
وتأتي هذه العقوبات لتعمق الأزمة الاقتصادية الإيرانية، حيث توقع صندوق النقد الدولي أن تتراجع نسبة النمو إلى 0.3 %، ووصول نسبة التضخم إلى 43.3%، وانخفاض الصادرات 16%، وانخفاض الواردات 10 %، علاوة على أن الناتج المحلي للعام 2024 بلغ نحو 436.9 مليار دولار، مع تعداد سكاني تجاوز 91 مليون نسمة، ما يعكس فجوة متزايدة بين الموارد والاحتياجات.
وقبيل تفعيل العقوبات، صرّح الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بأن واشنطن طلبت من طهران تسليم كامل مخزونها من اليورانيوم المخصّب مقابل تمديد رفع العقوبات، وهو ما وصفه بزشكيان بأنه غير مقبول بأي شكل من الأشكال، وفي وقت سابق من العام الحالي، أجرت واشنطن وطهران مباحثات حول اتفاق جديد، لكن طهران انسحبت بعد الهجوم الإسرائيلي الواسع في يونيو الماضي، الذي استمر 12 يوماً.
اليوم، ومع اشتداد الحصار الاقتصادي والسياسي، تواجه إيران اختباراً مزدوجاً: عزلة خارجية متزايدة وضغوطاً داخلية تتجسد في انهيار الثقة الشعبية وتراجع شرعية النظام، والسؤال المطروح هو: هل يتمكن النظام من امتصاص هذه الصدمة الجديدة، أم أن العقوبات ستفجّر موجة غضب شعبي أوسع تؤدي إلى عدم استقرار النظام وتهدد بتقويض تماسكه الداخلي؟.




