Eagle Intelligence Reports

تهديدات ترامب تختبر سيادة نيجيريا الهشة

Eagle Intelligence Reports • نوفمبر 4, 2025 •

عندما يعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمام العالم، عن إعداد خيارات عسكرية ضد دولة ذات سيادة، فإن هذا الأمر يستدعي التدقيق والتحليل.

تصريحات ترامب الأخيرة حول ما وصفه بـ “الإبادة الجماعية” ضد المسيحيين في نيجيريا، وتعليماته للحكومة الأمريكية بـ “الاستعداد السريع” لاتخاذ إجراءات عسكرية في البلاد، لا تتعلق بالاستراتيجية الفورية بقدر ما تهدف إلى استخدام القضية كأداة رمزية للضغط والتأثير.

تحت هذه الخطابات تكمن مناورة دبلوماسية، وضغوط سياسية، وتداخل معقد بين الدين والسلطة.

في نيجيريا، يُجبر هذا الموقف البلاد على إعادة الحسابات، ليس فقط كلمات واشنطن، بل نقاط الضعف الداخلية، والسؤال المطروح الآن: ما الذي يحدث فعلاً؟.

الخطاب كأداة للضغط: التمثيل السياسي يتحول إلى إشارة دبلوماسية

 يفسر المحللون تصريحات ترامب على نطاق واسع على أنها نوع من التمثيل السياسي، فتاريخياً استخدم الرؤساء الأمريكيون التهديدات العلنية بالعمل العسكري لانتزاع تنازلات، أو تعزيز مكانتهم المحلية، أو إعادة صياغة السرديات الدولية.

تاريخياً استخدم الرؤساء الأمريكيون التهديدات العلنية بالعمل العسكري لانتزاع تنازلات أو تعزيز مكانتهم المحلية، أو إعادة صياغة السرديات الدولية

وفي حالة ترامب، فإن لغة الدفاع عن “المسيحيين” في الخارج تخاطب بشكل مباشر قاعدته الإنجيلية وشبكات المناصرة المسيحية العالمية.

من خلال استهداف نيجيريا، وهي دولة ذات أهمية استراتيجية وانقسامات دينية عميقة، يعيد ترامب وضع نفسه مرة أخرى في دور المنقذ العالمي للمؤمنين المضطهدين.

لكن الواقع العملي يُظهر خلاف ذلك، إذ تُعدّ نيجيريا شريكاً أفريقياً قوياً، حيث يتجاوز عدد سكانها 200 مليون نسمة، وتواجه تحديات أمنية جسيمة، وتلعب دوراً محورياً في حفظ السلام الإقليمي، وتحظى بدعم ومشاركة كبيرة من الولايات المتحدة، وأي تدخل عسكري أمريكي مباشر سيتطلب دعماً لوجستياً هائلاً، وبناء تحالفات، وقواعد قانونية، والأهم من ذلك، موافقة نيجيرية، لذلك فإن احتمال “الغزو” بالمعنى التقليدي ضعيف جداً.

وبالتالي، نستنتج أن التأثير الحقيقي يكمن في الضغط الدبلوماسي، وليس في الوجود العسكري المباشر.

السيادة تحت الضغط: الرد الرسمي لنيجيريا

بالنسبة لنيجيريا، المخاطر كبيرة، فقد رفضت الحكومة علناً تصنيف العنف على أنه إبادة جماعية ضد المسيحيين، مؤكدة بدلاً من ذلك أن الصراعات المتعددة، والتطرف المسلح، والسرقة المنظمة، والنزاعات بين الرعاة والمزارعين، لا تُحدد فقط على أساس الدين، ومع ذلك، تنتهج نيجيريا دبلوماسية حذرة على المستوى غير العلني.

مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية النيجيرية، كشف حصرياً لـ”ايغل إنتيلجنس ريبورتس”، عن موقف البلاد ورؤيتها من التصريحات الأمريكية الأخيرة.

وشدّد على التزام نيجيريا بشراكتها الطويلة الأمد مع واشنطن في مجالات الأمن والصحة والتجارة والتعاون المدني.

وأشار المسؤول إلى أن “التعاون الأمني ​​سيستمر، طالما أنه يحترم سيادة نيجيريا، وأطرها القانونية، وأولوياتها التشغيلية.”

وبين أن تصريحات ترامب تعكس مزيجاً من الاهتمام الحقيقي بقضايا حقوق الإنسان وإشارات جيوسياسية أوسع نطاقاً، لا سيما في سياق غرب أفريقيا.

وأضاف: “إن نيجيريا تُدرك تماماً كيف قد تُؤثر الديناميكيات السياسية المحلية في واشنطن على مثل هذه التصريحات”.

وقال: “بدلاً من الانخراط في تبادلات علنية، تنوي نيجيريا الرد عبر “دبلوماسية هادئة قائمة على الوقائع، بهدف تجنب تأجيج التوترات أو تعزيز الروايات المتطرفة”.

بدلاً من الانخراط في تبادلات علنية تنوي نيجيريا الرد عبر دبلوماسية هادئة قائمة على الوقائع

وأشار إلى أن البلاد على تعميق الشراكات الإقليمية ومتعددة الأطراف لتقليل هشاشتها أمام التقلبات السياسية الخارجية، مع الحفاظ على علاقات بناءة مع الولايات المتحدة.

وفي أول رد رسمي من مسؤول حكومي رفيع حول الموضوع، أعاد وزير الخارجية يوسف توجار في 4 نوفمبر، التأكيد على أن الدستور النيجيري يرفض الاضطهاد الديني.

وخلال مؤتمر صحفي في برلين، صرح قائلاً: “من المستحيل أن يكون هناك اضطهاد ديني يمكن للحكومة النيجيرية، على أي مستوى، دعمه بأي شكل من الأشكال”.

وزير الخارجية النيجري ونظيره الألماني خلال المؤتمر الصحفي (أ ف ب)
الإيمان والصراع وتسليح الهوية

في الوقت نفسه، يتداخل الدين في نيجيريا بعمق مع الهوية والسياسة والصراع، ورغم انقسام البلاد شبه الكامل بين المسيحيين والمسلمين، إلا أنها تشهد تفاعلات دينية متعددة، ومناطق تتقاطع فيها الخطوط الدينية مع العرق والموارد والفوارق الاجتماعية.

ولا يُمكن اختزال العنف في ولايات الشمال ووسط الحزام في مجرد صراع مسيحي-مسلم ثنائي، فهو يشمل جماعات جهادية، وعصابات إجرامية، والتنافس على الأراضي والماشية، وضعف الحوكمة، وحدود أمنية هشة.

من خلال تقديم الصراع بشكل أساسي على أنه اضطهاد للمسيحيين، يقوم ترامب بتبسيط وإعادة صياغة السرد بطريقة تروق للجمهور الأمريكي لكنها قد تفاقم التوترات داخلياً في نيجيريا.

وهذا الخطاب يسلط الضوء على معاناة جماعة واحدة، متجاهلاً حقيقة أن كلاً من المسيحيين والمسلمين ضحايا لنفس أوجه القصور البنيوية في الدولة والنظام الأمني.

 لقد حذّر الزعماء الدينيون وأصوات المجتمع المدني في نيجيريا بالفعل من هذا الخطر، فعلى سبيل المثال، حذّر الناشط أومويلي سوور قائلاً: “سواءً كنت مسيحياً، أو مسلماً أو وثنياً أو غير متدين، لا ينبغي لأحد أن يُشيد بمثل هذا الخطاب، فالولايات المتحدة لديها سجل طويل من التدخلات العسكرية التي تُفاقم عدم استقرار الدول أكثر من ذي قبل، فما تحتاجه نيجيريا حقاً ليس مُنقذاً أجنبياً، لن يأتي خلاصنا أبداً من الخارج؛ بل يجب أن يأتي من الداخل، من خلال قيادة حقيقية”.

 وفي الوقت نفسه، يرى العالم الإسلامي أحمد غومي أن الولايات المتحدة، بسبب ثروات نيجيريا وانقساماتها الداخلية، تعتبر البلاد خصماً لها وتستغل السرديات الدينية لتحقيق الهيمنة.

وأشار إلى التورط المزعوم للولايات المتحدة في حرب بيافرا، وحذر من أن نفس النمط يتكرر مجدداً اليوم تحت ستار حماية المسيحيين.

تلتقي هذه الآراء، رغم اختلافها الظاهري عند قلقٍ مشتركٍ من استغلال نيجيريا والنيجيريين في دراما السياسة الخارجية تحت ستار الإنقاذ الديني، لا سيما وأنّ الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار تكمن في الداخل.

وأكّدت مصادر لـ “ايغل إنتيلجنس ريبورتس”،أن الرئيس بولا تينوبو أصدر تعليماتٍ لجميع المسؤولين في الولايات والحكومة الفيدرالية، بالتزام الصمت حتى يتمّ التوصل إلى هدنة دبلوماسية مع الولايات المتحدة.

مصادر “ايغل إنتيلجنس ريبورتس” أكدت أن الرئيس بولا تينوبو أصدر تعليماتٍ لجميع المسؤولين في الولايات والحكومة الفيدرالية بالتزام الصمت حتى يتمّ التوصل إلى هدنة دبلوماسية مع الولايات المتحدة

سجل الدبلوماسية: ما الذي يتغير فعلاً؟

يسلط تحليل “ايغل إنتيلجنس ريبورتس”،الضوء على تحولاً دقيقاً في المشهد: فواشنطن تبدو وكأنها تعيد صياغة جزء من تعاملها مع نيجيريا، مركزة على مفهوم “حرية الدين” كمحور رئيسي في خطابها، في حين ترفض أبوجا أن تبقى في موقع المتفرج.

ومن خلال استطلاع أراء المختصين، يتضح أن نيجيريا تعدّ استراتيجية دبلوماسية مدروسة تقوم على أربعة محاور رئيسية:

• تنسيق الرسائل: ضمان استخدام جميع الوزارات لغة واحدة حتى لا تُثير الرسائل الخاطئة تصعيداً غير مقصود.

• دبلوماسية القنوات الخلفية: التواصل بهدوء مع النظراء الأمريكيين والدبلوماسيين السابقين من خلال بيانات موثقة وملفات قضايا، ما يُحوّل الرواية من “مَن يُصدر صوتاً أعلى إلى من يتحدث بمصداقية”.

• تجاوز الحدود السيادية: توضيح أن أي عمل عسكري أمريكي أحادي الجانب غير مقبول، وهي نقطة ضغط تتمتع بها نيجيريا لأن أراضيها وتعاونها مهمان لواشنطن.

• تنويع التحالفات: الحد من الاعتماد المفرط على أي شريك منفرد (بما في ذلك الولايات المتحدة)، من خلال بناء علاقات أقوى مع الجهات الفاعلة الإقليمية والمؤسسات متعددة الأطراف والشركاء العالميين الآخرين.

نهج نيجيريا ليس رد فعل عشوائياً، بل استراتيجي ومدروس، يهدف إلى حماية سيادتها مع الحفاظ في الوقت ذاته على التعاون العملي الذي لا تزال تعتمد عليه بنيتها الأمنية.

بوابة مدينة أبوجا (أ ف ب)
ماذا تعني هذه اللحظة بالنسبة لنيجيريا وللسياسة الأمريكية؟
نيجيريا

يمثل هذا الحدث اختباراً لنضج المؤسسات في أبوجا، إذ يجب على البلاد إثبات قدرتها على معالجة النزاعات الداخلية دون الانصياع للسرديات الخارجية التي تصوّرها ضحية أو كمطلوب إنقاذها.

إن الإصلاح السريع للأجهزة الأمنية، والملاحقة القضائية المستمرة للجناة بغض النظر عن الدين، والتعامل الشفاف مع الضحايا، من شأنه تقليل الضغط الأخلاقي الذي يحاول الآخرون فرضه، فاستجابة وطنية موثوقة تسلب الجهات الخارجية أي نفوذ.

علاوة على ذلك، ينبغي لنيجيريا استغلال هذه اللحظة لتأكيد مبدأ أن حرية الدين تعني حماية جميع المواطنين من المسيحيين والمسلمين والوثنيين على حد سواء، وبدلاً من السماح للسياسات القائمة على الهوية بأن تُملي من يُعتبر الضحية.

 الولايات المتحدة

إذا رغبت الولايات المتحدة في الحفاظ على شراكة حقيقية مع نيجيريا، فلا بد لها من تجاوز المظاهر والخطابات الرنانة.

ويشير المسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية النيجيرية، إلى أن نيجيريا تعترف بالولايات المتحدة كشريك طويل الأمد، لكن هذه الشراكة مشروطة بأن تقوم على الاحترام المتبادل للسيادة والاعتبارات العملية، فالتهديدات، لا سيما تلك المطروحة بصيغ دينية، توتر هذه الشراكة، لذا ينبغي أن تركز السياسة الأميركية على بناء القدرات، وإصلاح الحوكمة، ومراقبة حقوق الإنسان، والحوار الجاد، بدلاً من الانخراط في مواقف أخلاقية مسيطرة أو استعراضية.

المعايير الإقليمية والعالمية

هذه الحلقة تبرز كيف يمكن استخدام الخطاب الإنساني والديني كأداة في الجغرافيا السياسة.

تُثير التهديدات بالتدخل، تحت مسمى “حماية المسيحيين”، تساؤلات، فإذا كانت هذه الادعاءات تُبرر الضغط على نيجيريا، فما الذي يمنع القوى الأخرى من تطبيق منطق مماثل في أماكن أخرى؟، بالنسبة لأفريقيا، فإن الإصرار على السيادة والمساواة والإصلاح الداخلي ليس مجرد شعار، بل هو رادع ضروري ضد ديناميات القوة غير المتكافئة.

بالنسبة لأفريقيا فإن الإصرار على السيادة والمساواة والإصلاح الداخلي ليس مجرد شعار بل رادع ضروري ضد ديناميات القوة غير المتكافئة

إشارة استراتيجية

 إن تهديد دونالد ترامب بـ”غزو” نيجيريا ليس خطة عملية بقدر ما هو إشارة استراتيجية، أي مزيج من الموقف الأخلاقي ولعبة القوة، لكن القصة الحقيقية تكمن في كيفية رد فعل نيجيريا على هذا التهديد، حيث يكشف المسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية، أن نيجيريا تختار الدبلوماسية الهادئة، وتنسيق الرسائل، وتنويع التحالفات الاستراتيجية بدل الانجرار وراء دراما الأزمات.

ويضيف: “سيستمر التعاون الأمني ​​مع مراعاة سيادة نيجيريا وأطرها القانونية والأولويات التشغيلية”، فهذا هو جوهر القضية.

أما الدرس للولايات المتحدة فهو واضح: “تعاونوا ولا تتظاهروا بالمواقف الأخلاقية”، وبالنسبة لنيجيريا، فإن اللحظة حرجة، إذ يجب تحقيق النتائج، وحماية جميع المواطنين، واستعادة الخطاب، فالتهديد قد يتلاشى، لكن الضرر الذي يلحق بالثقة والوحدة والسيادة قد يستمر.