Eagle Intelligence Reports

ترامب تحت الحصار: الانقسامات الداخلية والارتدادات العالمية

Eagle Intelligence Reports • يوليو 28, 2025 •

كاتب

  • James O’Shea- Eagle Intelligence Reports

    جيمس أوشيا، صحفي ومؤلف أمريكي حائز على عدة جوائز، وشغل سابقاً منصب رئيس التحرير لصحيفة لوس أنجلوس تايمز، ومدير التحرير لصحيفة شيكاغو تريبيون، كما شغل منصب رئيس مجلس إدارة شبكات البث في الشرق الأوسط (MBN). وهو مؤلف لثلاثة كتب، من بينها "الصفقة من الجحيم". يحمل درجة الماجستير في الصحافة من جامعة ميسوري.

    View all posts

تشهد الساحة الأمريكية اليوم مشهداً يشبه إلى حد كبير الاضطرابات التي طبعت الولاية الثانية لريتشارد نيكسون: تصدعات داخلية تعصف بالحزب الجمهوري، وفضائح سياسية تتكشف بين الحين والأخر، وقلق اقتصادي، وشبح فقدان السيطرة على الكونغرس، هذا التشابه يضع الرئيس دونالد ترامب في قلب عاصفة كاملة قد تعصف بولايته الثانية.

التهديدات التي تحيط بترامب لا تقتصر على معارضة الديمقراطيين؛ بل تتصاعد من داخل قاعدته الجمهورية نفسها، وتزعزع الأسواق، وتدفع حلفاء الولايات المتحدة في الخارج إلى إعادة تقييم مواقفهم الاستراتيجية في ظل ما يعتبرونه إدارة متهورة ومعزولة مدفوعة برغبة جامحة في الهيمنة التنفيذية.

اليوم، أزمات ترامب متعددة ومتشابكة، بدءاً من فضيحة إيبستين، مروراً بالاضطرابات في الأسواق، وتفكك التحالفات، وصولاً إلى شبح الهزيمة الانتخابية، بالإضافة إلى تحديات أخرى تشكل معاً اختباراً وجودياً ليس فقط لسلطة ترامب، بل أيضاً لشرعية رئاسته واستمراره كلاعب مؤثر في النظامين الأمريكي والدولي.

من فضيحة إبستين وتقلبات السوق إلى تدهور التحالفات وشبح الهزيمة الانتخابية تتصاعد أزمات ترامب وتتشابك لتشكل مجتمعة اختباراً عميقاً لسلطته وشرعية رئاسته

أزمة شرعية الحزب الجمهوري

العاصفة المتكاملة من الفضائح، والأخطاء السياسية، والهفوات العالمية، تؤدي إلى تآكل قبضة الرئيس ترامب الحديدية على السلطة، معرضة إرثه السياسي للخطر، فعلى السطح، تطفو الانتخابات كأول مؤشر على هبوب رياح العاصفة، عبر تصدرها عناوين وسائل الإعلام، بتكرار يشبه تقارير الطقس اليومية.

في الواقع، تكشف هذه الأزمات عن انقسامات عميقة، تعيق السيطرة الفعلية للرئيس على دفة الحكم، فالفضائح، والاستقطاب السياسي، وعدم الثقة، والمؤشرات الاقتصادية وصراعات السلطة، تشكل معاً خطراً جدياً لسيطرة حزب ترامب على الكونغرس ولعظمة أمريكا على الساحة الدولية.

الفضيحة تتضمن العديد من الاتهامات المثيرة للجدل، بدءاً من شبكة دعارة تشمل فتيات في سن الرابعة عشرة، ومروراً بعملاء من رجال الأعمال والسياسيين ذوي النفوذ، وتفاقم نظريات المؤامرة، وقائمة عملاء غامضة، وصولاً إلى مخططات ابتزاز حاكها عملاء من الاستخبارات الإسرائيلية.

تربط العديد من التقارير الصحفية والتحقيقات بين ترامب ودائرة أصدقاء إبستين من الشخصيات اللامعة الذين استغلوا النساء، إلا أن ارتباط ترامب بالفضيحة ليس هو جوهر المشكلة، فقد تجاوز ترامب العديد من الفضائح المماثلة سابقاً، لكن التحدي الذي تطرحه ملفات إبستين بالنسبة لترامب هو كيفية إخلاله مع المدعية العامة بام بوندي، للوعد الذي قطعاه بجعل هذه الملفات علنية.

الفشل في الوفاء بهذا الوعد أغضب مؤيدي ترامب من حملة “اجعلوا أمريكا عظيمة مرة أخرى”، الذين يعتقدون أن نشر هذه الملفات سيلحق ضرراً أكبر بالديمقراطيين، وتستمر التكهنات حول محتويات الملفات، حيث يذكر اسم الرئيس السابق بيل كلينتون بشكل متكرر في هذا السياق.

نشر قرار الملفات بشكل علني، أصبح الآن بيد قضاة فدراليين عدة، الذين يمتلكون فقط السلطة للإفراج عن سجلات هيئة المحلفين الكبرى التي يُلزم القانون الفدرالي بإبقائها سرية، وحتى إذا قرر القضاة رفع ستار السرية عنها، فإن العملية قد تستغرق شهوراً، ما يترك حلفاء ترامب من اليمين المتطرف في حالة من الغضب والاستياء.

الرهانات الانتخابية ومخاطر السيطرة على الكونغرس
يسيطر الجمهوريون على مجلس النواب بأغلبية ضئيلة تبلغ 220 صوتاً مقابل 213 صوتاً (أ ف ب)

تشتد العاصفة على الجناح اليميني لترامب في وقت حرج مليء بالمخاطر له وللحزب الجمهوري، إذ سيتوجه الناخبون الأمريكيون بعد نحو خمسة عشر شهراً إلى صناديق الاقتراع لإجراء الانتخابات النصفية لمجلس النواب، الذين ستنتهي ولاياتهم، وتاريخياً، تُعتبر الانتخابات النصفية بمثابة استفتاء على سياسات الرئيس الحالي، حيث لا يحقق الرؤساء عادة نتائج جيدة في هذه الانتخابات.

في الغالب، يخسر الحزب الحاكم نحو 37 مقعداً في مجلس النواب، عندما تكون نسبة تأييد الرئيس أقل من 50%، فيما تبلغ نسبة تأييد ترامب حالياً 41%، وهي الأدنى لأي رئيس أمريكي منذ دوايت أيزنهاور ويسيطر الجمهوريون على مجلس النواب بأغلبية ضئيلة تبلغ 220 مقعداً مقابل 213 مقعداً، كما يهيمنون على مجلس الشيوخ بفارق خمس مقاعد فقط، ولاستعادة السيطرة على مجلس النواب، الذي يعد عنصراً حاسماً في قوة ترامب، يحتاج الديمقراطيون إلى الفوز بسبع مقاعد إضافية فقط.

ترامب لا يستطيع تحمل مثل هذه الخسارة، ومع ذلك، فإن أسلوب قيادته وأخطائه تجعل فقدان الجمهوريين لسيطرة مجلس النواب أمراً مرجحاً.

ترامب لا يستطيع تحمل مثل هذه الخسارة وأسلوب قيادته وأخطاؤه تجعل فقدان الجمهوريين السيطرة على مجلس النواب أمراً محتملاً

الضغوط الاقتصادية وتآكل الطبقة المتوسطة

يعد تصاعد المعارضة العامة لسياسات ترامب، أبرز التحديات التي يواجهها، إذ تظهر العديد من الاستطلاعات والتحقيقات الموثوقة أن الجمهور لا يوافق على سياسات ترامب، وأن 59 % يرفضون تعريفة الضرائب التي فرضها؛ و55 % غير راضين عن تخفيضات الميزانية التي تسببت في تسريحات جماعية وفصل الموظفين؛ و51 % يعتقدون أنه يتخذ قرارات أحادية الجانب بشكل مفرط عبر الأوامر التنفيذية؛ كما أن التضخم لا يتم السيطرة عليه كما يبدو، رغم مرور نحو 200 يوم على بداية إدارته.

النزاع المحتمل مع رئيس الاحتياطي الفيدرالي، ليس هو المشكلة المالية الوحيدة لترامب، بل قانون الضرائب “الجميل الكبير”، الذي أضاف بشكل كبير إلى الدين العام، ما أدى إلى نفور الجناح المناهض للدين داخل حزبه، ومعه إيلون ماسك، فوفقاً للسجلات الفيدرالية، تبرع الملياردير المتخصص في التكنولوجيا بنحو 300 مليون دولار للجمهوريين في عام 2024.

ورغم أن معدل التضخم الرسمي يبلغ نحو 2.7 %، إلا أن تحقيقاً حديثاً لصحيفة شيكاغو صن-تايمز، كشف عن أن تضخم أسعار المواد الغذائية لا يزال في ارتفاع مستمر، وهو عنصر رئيسي في أسعار المستهلكين الذي يثير غضب الناخبين، حيث قامت الصحيفة بإنشاء سلة تسوق تضم 35 منتجاً أساسياً من أربعة متاجر رئيسية في شيكاغو.

ووفقاً لتقرير الصحيفة، “مع مرور ستة أشهر على تولي ترامب منصبه، قمنا بالغوص في البيانات واكتشفنا أن إجمالي سعر سلة التسوق ارتفع بمقدار يصل إلى 11 دولاراً، فمعظم المنتجات التي تتبعناها حافظت على أسعارها المرتفعة أو أصبحت أكثر غلاءً.”

وعلى النقيض من ذلك، فإن ارتفاع الأسعار يمنح جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، دافعاً أقوى لمكافحة التضخم عبر رفع أسعار الفائدة، لكن ترامب يريد من مجلس الاحتياطي الفيدرالي تحت قيادة باول خفض هذه الأسعار، مهدداً بإقالته، وهو تحذير يثير القلق لدى العديد من الداعمين التجاريين للرئيس، فهؤلاء يرون أن الاحتياطي الفيدرالي المستقل عن السياسة يُعد أساساً لنظام مصرفي موثوق به ولدولار أمريكي مستقر.

انشقاقات المحافظين وتصدعات داخل الحزب

رد ماسك غاضباً من ترامب بتأسيس حزب سياسي ثالث، هو “حزب أمريكا”، الذي يستهدف الانتخابات البرلمانية، حيث يشعر الناخبون بعدم تمثيلهم من قبل الحزبين الديمقراطي والجمهوري، والأحزاب الثالثة عادة لا تفوز في السياسة الأمريكية، لكنها قد تضر بالمرشحين الآخرين، خصوصاً ترامب الذي تكشف تكتيكاته عن ضعف سياسة “أمريكا أولاً” الخارجية التي يتبعها.

عندما تولى ترامب منصبه في 20 يناير 2025، قرر أن يحكم بطريقة أقرب إلى حكم القيصر بدلاً من أسلوب الرئيس التقليدي، مع وجود الكونغرس الذي يُفترض أن يكون رقيباً على البيت الأبيض، فحتى الآن، أصدر ترامب 174 أمراً تنفيذياً تطبق سياسات شاملة بجرة قلم، ولكن العديد من أهداف أوامره التنفيذية هي شؤون داخلية، أبرزها سياسات الهجرة والتنوع، ومع ذلك، من خلال استغلال سلطاته كقائد لأقوى دولة في العالم، أثار ترامب قلقاً حول مجموعة من القضايا الدولية.

تُعد الأوامر التنفيذية وسيلة سريعة لتحقيق الأهداف، لكنها يمكن أن تُلغى بسهولة من قبل رئيس آخر ذي توجهات مختلفة، ما يخلق حالة من عدم اليقين، وهو مناخ يكرهه القادة السياسيون والتجاريون الدوليون.

سياسة ترامب الخارجية وتقلص البصمة الأمريكية

حتى في غياب تقلبات الرئيس، يعاني ترامب على الساحة الدولية، وحلفاء الولايات المتحدة وأعداؤها على حد سواء يكرهون الرسوم الجمركية العقابية التي فرضها، وسيتخذون خطوات للرد إذا لم يعوضها باتفاقياته المعهودة، حيث سيظهر أثر هذه الرسوم قريباً بشكل واضح من خلال ارتفاع الأسعار على الأصعدة كافة، كما أنه لا يحقق نجاحاً كبيراً في القضايا غير المتعلقة بالرسوم الجمركية أيضاً.

أهان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ترامب، عندما رفض عروض السلام التي قدمها الأخير، والتي كان يتفاخر بتحقيقها فوراً في أوكرانيا، حيث بدا ترامب ضعيفاً.

كما أخبر الناخبين الأمريكيين أنه يريد مواجهة الصين، لكن بكين استفادت من هفوات ترامب العالمية من خلال تقديم نفسها كبديل لملء الفراغات التي خلفتها سياساته المتقلبة.

عندما اتخذ ترامب، على سبيل المثال، إجراءات تنفيذية أضرت ببرنامج المعونة الأمريكية المخصص لمساعدة الفئات الفقيرة، سارعت الصين إلى زيادة مساعداتها الخارجية لتعويض الانسحاب الأمريكي، حيث تعرض بكين على الحلفاء المحتملين للولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم الوصول إلى مبادراتها للبنية التحتية عبر “مبادرة الحزام والطريق” كبديل موثوق عن أمريكا المتقلبة.

وفي الشرق الأوسط، تحظى السياسات الأمريكية المؤيدة لإسرائيل ببعض الدعم، ولكنها أيضاً تزرع مزيداً من الانقسامات بين الفصائل المتشددة بدلاً من معالجة العداءات العرقية التي مزقت المنطقة لعقود.

أما الحلفاء السابقون، فقد بدأوا يبحثون عن تحالفات جديدة تجعلهم أقل عرضة لتقلبات السياسة الأمريكية، فعلى سبيل المثال، يقوم حلف الناتو والأوروبيين بتشكيل اتفاقيات إقليمية أكثر قوة للحفاظ على الاتفاقات القائمة التي ترفضها الولايات المتحدة، مثل اتفاقية باريس للمناخ أو الاتفاق النووي مع إيران، كما أن نهج ترامب الدولي لا يجلب له أصدقاء حتى داخل بلاده أيضاً.

حلفاء سابقون آخرون يسعون إلى تكوين تحالفات جديدة تجعلهم أقل عرضة لنزوات الولايات المتحدة

سياسات ترامب الانفرادية ورسومه الجمركية تلقى معدلات استياء بين الناخبين الأمريكيين، حيث تفيد العديد من استطلاعات الرأي بأن الأمريكيين لا يوافقون على نهج ترامب في الحرب بأوكرانيا بنسبة تتراوح بين 47 و 59 %، وأفاد نحو 60 % من المستطلعين لشبكة “سي إن إن” بأنهم لا يعتقدون أن سياسات ترامب ستؤدي إلى سلام دائم.

  الكونجرس الحالي الذي تهيمن عليه حركة “اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى” متسامح مع السياسة الخارجية لترامب
التهديد يأتي من الداخل وليس من المعارضة

وفي عالم مثالي، يجب أن يعمل الكونغرس كرقابة على سلطة الرئيس الأمريكي سواء على الصعيدين الداخلي أو الخارجي، ولكن الحالي، الذي يهيمن عليه جناح  “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”  داخل الحزب الجمهوري، لا يمتلك أي عزيمة، حيث يتسامح المشرعون مع سياسة ترامب الخارجية “أمريكا أولاً” ويشجعون خطواته السياسية الداخلية الفوضوية.

وقف الجمهوريون من جناح “اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” صامتين بينما عبر ترامب عن عدائه لحلف الناتو وفرض رسوماً جمركية غير شعبية لدى الناخبين،  في الواقع، قد تشكل سياسات ترامب الداخلية والدولية تهديداً أكبر لرئاسته وإرثه من خصومه السياسيين.

يمنح لاري ساباتو، المحلل السياسي البارز والخبير في السياسة الأمريكية، الديمقراطيين فرصة قوية لاستعادة السيطرة على مجلس النواب، إذ يقول: “إن خسارة صافية لمجرد سبع مقاعد في المجلس ستكلف حزب الرئيس السيطرة على الغرفة”.

“الرئيس ترامب قلق”، بحسب صحيفة تكساس تريبيون، التي أفادت بأنه أخبر غريغ أبوت، حاكم تكساس والمقرب من ترامب، بتقديم موعد إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية في الولاية خمس سنوات، من أجل الحصول على مزيد من المقاعد الجمهورية قبل الانتخابات النصفية، حيث امتثل أبوت لهذا الطلب.

لكن بعد 15 شهراً فقط، سيواجه العديد من أنصاره الاختبار النهائي: “الانتخابات”، فعندما يواجه النواب، رجالاً ونساءً، احتمالية فقدان وظائفهم، فقد يقدمون لأمريكا ما تحتاجه: “كونغرس يمتلك العزيمة”.

العديد من الموالين سيخوضون خلال 15 شهراً الاختبار الحاسم: الانتخابات فعندما يواجه أعضاء الكونغرس احتمال فقدان مناصبهم قد يمنحون أمريكا ما تحتاج إليه فعلاً: كونغرس يمتلك الشجاعة

في المحصلة، التهديدات التي تواجه فترة ترامب الثانية لا تأتي من خصومه الديمقراطيين، بل من الانقسامات الهيكلية العميقة التي تضرب جذور قاعدته الانتخابية، وحزبه الجمهوري، والمؤسسات الاقتصادية التي بدأت تتحفظ على نهجه، وسياساته الخارجية، التي استنزفت الحلفاء وأثارت خللاً في ميزان القوى، تفاقم هذه التهديدات، والمفارقة أن الأدوات الشعبوية التي أوصلته إلى البيت الأبيض أصبحت الآن تشكل تهديداً جوهرياً لرئاسته، فما يحدث لا يشير إلى منافسة مع الحزب الآخر، بل إلى صدام حتمي مع النظام الذي أنشأه هو نفسه.