من الهيمنة التكنولوجية إلى إعادة ترتيب المصالح الجيوسياسية، يبرز الذكاء الاصطناعي كنهاية المرحلة القادمة من التنافس بين القوى الكبرى.
واليوم يتطور الذكاء الاصطناعي بوتيرة غير مسبوقة، لدرجة أن الابتكارات التي كانت تبدو خيالية قبل بضع سنوات فقط، أصبحت الآن واقعاً يساهم في تشكيل عالمنا، وهو ليس مجرد قوة تكنولوجية محورية؛ بل الركيزة الأساسية للجيوسياسية في القرن 21.
كما تتسابق الدول للاستفادة من قوته لإعادة تعريف العقائد العسكرية واستراتيجيات الاقتصاد، من أجل تشكيل النظام العالمي للأجيال المقبلة، وقد بدأت القوى العالمية تحقق تقدماً سريعاً نحو الهيمنة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
يستعرض هذا التحليل التأثيرات المتعددة للذكاء الاصطناعي على موازين القوى العالمية، ويسلط الضوء على السباق التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين، وانعكاساته على المجالات العسكرية والاستخباراتية، ثم يتناول الآثار العميقة على الأمن السيبراني والاقتصاد العالمي.
الذكاء الاصطناعي يعد الآن، قوة قادرة على تحويل الاقتصادات والمجتمعات بالكامل، على نحو يشبه تأثير الكهرباء أو الإنترنت في ذروتهما، إذ تستعرض مؤسسة بروكينغز -وهي مركز بحثي رائد، في تقريرها لعام 2024- القيمة الاستراتيجية للذكاء الاصطناعي من خلال ثلاثة محاور تشمل:
أولاً: الميزة الاقتصادية، عبر مساهمة الأتمتة والابتكار المدعومين بالذكاء الاصطناعي في تحويل النموذج الاقتصادي، وزيادة الإنتاجية، وخلق صناعات جديدة، وتعطيل النماذج التجارية التقليدية.
الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد قوة تقنية محوّلة؛ بل أصبح حجر الأساس في الجغرافيا السياسية للقرن الحادي والعشرين، وتتسابق الدول لاستغلال قوته في إعادة تعريف العقائد العسكرية واستراتيجيات الاقتصاد من أجل تشكيل النظام العالمي لأجيال قادمة
وثانياً: النفوذ الدبلوماسي، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تعزيز القوة الناعمة لأي دولة، من خلال المساهمة في وضع المعايير العالمية، مثل: تصدير التكنولوجيا، والأعراف الدولية.
وأخيراً: التفوق العسكري، إذ يشير التقرير إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكّن من اتخاذ قرارات ميدانية أسرع وأكثر دقة، ويُسهم في تطوير الأسلحة الذاتية، وجمع المعلومات الاستخباراتية المتقدمة.
خلال السنوات العشر الماضية، شهدنا تبنياً متزايداً للذكاء الاصطناعي، حيث تم دمجه في كل القطاعات، من الرعاية الصحية والمالية إلى الترفيه والتعليم.
ومع ذلك، فإن أكبر تأثير له يكمن في مجالات الجيوسياسية، والأمن، وديناميكيات القوة العالمية.
يشهد الذكاء الاصطناعي تحولات سريعة عالمياً، وصعوده يعيد رسم موازين القوى، حيث تتسابق الدول لتأمين التفوّق التكنولوجي، وموارد الطاقة، وبناء التحالفات الاستراتيجية، والدولة التي تتصدر مجال الذكاء الاصطناعي ستهيمن اقتصادياً، وعسكرياً، واستخباراتياً، ودبلوماسياً.
وعلى النقيض من ذلك، يعيد سباق الذكاء الاصطناعي أيضاً تشكيل التحالفات العالمية وموازين القوى، بحسب التقارير والأبحاث الأخيرة.
ووفقاً لمجلة Forbes، يتجه العالم نحو مشهد متعدد الأقطاب في هذا المجال، يتجلّى في سعي كل من الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي إلى تبني استراتيجيات متميزة لتحقيق الريادة في الذكاء الاصطناعي.
وهذا يشير إلى أن المنافسة بين القوى الكبرى فيه تمتد إلى ما هو أبعد من التكنولوجيا لتشمل الاستراتيجيات الدبلوماسية، والولايات المتحدة تبني تحالفات مثل: AUKUS، التي تضم معها المملكة المتحدة، وأستراليا، بهدف توحيد القدرات في مجال الذكاء الاصطناعي.
أما الصين وروسيا فتعززان شراكتهما لموازنة التأثير الغربي، وهذه ليست مجرد منافسة في مجال الذكاء الاصطناعي، بل هي معركة للسيطرة على البنية التحتية الرقمية العالمية في الحاضر والمستقبل.
تخوض الولايات المتحدة والصين سباقاً متسارعاً لقيادة الابتكار في مجال الذكاء الاصطناعي، فالأولى تعتمد على عمالقة التكنولوجيا وبنيتها التحتية البحثية، في حين أن تتبع الثانية مبادرات طموحة عالمياً بدعم قوي من الحكومة.
ومع ذلك، تسعى كلتا الدولتين إلى تحقيق الهيمنة الاقتصادية والجيوسياسية من خلال الابتكار التكنولوجي، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والشرائح الدقيقة (الرقائق)، وشبكات الجيل الخامس، (5G).
وتسعى الولايات المتحدة من مضاعفة استثماراتها في الذكاء الاصطناعي إلى تحقيق الهيمنة العالمية عبر الشراكات بين القطاعين العام والخاص وعقد التحالفات مع الشركات التكنولوجية الكبرى.
كما تستثمر بشكل كبير في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك مراكز البيانات وأنظمة الحوسبة المتقدمة، وتُعطي الأولوية للتعليم في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، بالإضافة إلى تطوير القوى العاملة لبناء كوادر ماهرة في مجال الذكاء الاصطناعي.
وتتصدر الولايات المتحدة البحث والابتكار في الذكاء الاصطناعي الأساسي، بفضل عمالقة التكنولوجيا مثل: غوغل ومايكروسوفت وOpenAI، مستفيدة من الجامعات العالمية، ورأس المال الاستثماري، وثقافة ريادة الأعمال.
بينما تسعى الصين إلى أن تصبح الرائدة عالمياً في هذا المجال بحلول عام 2030، مستفيدة من استثمارات ضخمة وقاعدة بيانات واسعة، واستراتيجيات وطنية طموحة مثل: “خطة تطوير الذكاء الاصطناعي للجيل التالي”.
كما تستفيد من هيمنتها في مجال الطاقة النظيفة والقدرة على نشر بنية الذكاء الاصطناعي بسرعة، وهذه الخطوات تجذب الاستثمارات التكنولوجية العالمية، وتحدد وتيرة النمو الاقتصادي المدعوم بالذكاء الاصطناعي.
ليست هذه مجرد منافسة في مجال الذكاء الاصطناعي، بل هي معركة للسيطرة على البنية التحتية الرقمية العالمية في الحاضر والمستقبل
تطور الولايات المتحدة نماذج الذكاء الاصطناعي، سواء كانت مفتوحة أو مغلقة المصدر، حيث تُستخدم الأولى لتعزيز التعاون والابتكار، بينما تُستخدم الأخرى في التطبيقات المتخصصة والأغراض التجارية.
وعلى النقيض من ذلك، تسلك الصين مساراً مختلفاً في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تفرض قيوداً صارمة على استخدامه داخل أراضيها، رغم أنها تقدم نفسها داعم لتطويره على مستوى العالم.
ومع ذلك تلتزم، الشركات الصينية مثل (DeepSeek )، بالتعليمات الرسمية للدولة، ما يحد من الشفافية ويثير الشكوك حول نوايا الصين في أسواق مثل: الولايات المتحدة وأوروبا.
وتعتمد هذه الأسواق بشكل كبير على حرية تدفق البيانات، والولايات المتحدة تركز أيضاً على تأمين بنيتها التحتية للذكاء الاصطناعي، مثل النماذج المغلقة، وكذلك منع سرقة الأسرار التجارية.
أما الاستراتيجية الوطنية الشاملة للذكاء الاصطناعي لديها تتناول الآثار الأخلاقية والتنظيمية والأمنية للذكاء الاصطناعي، وهذا التنافس يعكس ديناميكيات حقبة الحرب الباردة، ولكن مع التكنولوجيا في صميمه.
وفقاً لمجلة “ذا إيكونيميست” برزت حرب باردة جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي مع قيام الولايات المتحدة والصين بفرض ضوابط على الصادرات، والتنافس الشديد على الهيمنة في سوق أشباه الموصلات، التي تُعد العمود الفقري لتطوير الذكاء الاصطناعي، إلى جانب استثمارات كبيرة في المواهب والبنية التحتية.
استراتيجية الولايات المتحدة حتى الآن تركز على تقييد وصول الصين إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي، عبر فرض ضوابط على صادرات أشباه الموصلات المتقدمة والمعدات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، ولجأت إلى استخدام سياسات الترخيص العالمية لتصدير الرقائق المتقدمة المستخدمة في مراكز البيانات.
كما تفرض قيوداً على أوزان نماذج الذكاء الاصطناعي المغلقة، وحصص تصدير لأكثر من 140 دولة، وتسعى إلى تطبيق تصنيفات المستخدم النهائي المعتمد عالمياً (UVEU) ، والمستخدم النهائي المعتمد محلياً (NVEU) ، للسماح لمراكز البيانات الموثوقة باستلام الصادرات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي دون الحاجة إلى تراخيص فردية.
سباق إنتاج أشباه الموصلات، التي تُعد بمثابة “نفط العصر الرقمي”، هو أحد أبرز ميادين التنافس بين الولايات المتحدة والصين
وهذا يشير إلى أن هناك متطلبات صارمة للامتثال، ومؤخراً اعترفت جينا رايموندو، وزيرة التجارة الأمريكية، وهي من المدافعين المخلصين عن ضوابط التصدير الصارمة، بأن استخدام هذه الضوابط لعرقلة تقدم الصين في مجال الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات المتقدمة هي مهمة خاسرة وبلا جدوى.
ومع ذلك، إذا أرادت الولايات المتحدة الحفاظ على تفوقها، فلا ينبغي لها أن الإفراط في بناء قواعد تنظيمية عالية، ولا السعي للبقاء في الصدارة أمام الصين، فحين تتجاوز الولايات المتحدة ما هو ضروري لضمان أمنها، فإن القيود العشوائية التي تفرضها تُفسح المجال أمام الصين، ما يتيح لشركات الذكاء الاصطناعي الصينية فرصة للهيمنة على تبنّي الذكاء الاصطناعي في معظم دول العالم.
ووفقاً لتقرير Bloomberg، ورغم قوة واشنطن، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة تستطيع الحفاظ على تقدمها على الصين في تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر تطوراً.
وعلى النقيض من ذلك، تسعى الصين لترسيخ موقعها، كقوة قيادية في التكنولوجيا داخل الأسواق الناشئة، حيث تقدم خدمات الحوسبة السحابية والوصول إلى الإنترنت عبر قدرات شبكات الجيل الخامس (5G)، التي تسهل على تلك الأسواق دمج الذكاء الاصطناعي الصيني ضمن أنظمتها.
ومن خلال شركات مثل: علي بابا وهواوي، تحاول الصين الهيمنة على سوق الجيل الخامس، وهو ما يثير قلق الولايات المتحدة باعتباره تهديداً للأمن القومي.
وهذا يشير إلى أن حلول الذكاء الاصطناعي التي تقدمها الصين بأسعار معقولة تجذب الأسواق الناشئة، خاصة تلك التي شعرت بالإحباط نتيجة القيود الأمريكية المفروضة على صادرات الذكاء الاصطناعي وفقاً لمركز Wilson Center.
ومع ذلك، توظّف الولايات المتحدة استراتيجيات مقيدة للحد من وصول الصين إلى أشباه الموصلات المتقدمة، لكن هذه الخطوات تنطوي على مخاطر، إذ قد تدفع الصين نحو مزيد من الاستقلال في التقنيات الحيوية.
وكشفت شركة DeepSeek الصينية الناشئة عن نموذج ذكاء اصطناعي تدّعي أنه منافس لتقنيات OpenAI، إذ تُحقق النماذج الصينية الآن نتائج شبه مماثلة باستخدام موارد حوسبة أقل، وهو ما يمثل إنجازاً مهماً في سعيها نحو الاكتفاء الذاتي التكنولوجي.
يُعد سباق إنتاج أشباه الموصلات -النفط الخام- لعصر الذكاء الاصطناعي- واحداً من أهم مجالات التنافس بين الولايات المتحدة والصين، حيث يعززان جهودهما لزيادة الإنتاج المحلي للرقائق من خلال استثمارات ضخمة وأبحاث علمية متقدمة من الناحية التقنية.
ومع ذلك، لا يُعتبر DeepSeek الصيني منافساً مباشراً لمنصات الذكاء الاصطناعي الأمريكية، فهو يركز على تحسين أنواع الذكاء الاصطناعي الحديثة بدلاً من تطوير تقنيات جديدة، ويُعتقد أن هذا التطوير لا يمتلك القدرة على منافسة الابتكارات الرائدة التي تحققها الولايات المتحدة.
فيما يهدف قانون CHIPS الذي أقره الكونغرس الأمريكي إلى تحفيز صناعة أشباه الموصلات المحلية، ويسعى إلى الحد من تقدم الصين عبر فرض القيود، ومع ذلك، يُقال: “إن شركة ByteDance المالكة لتطبيق TikTok تستثمر مليارات الدولارات في بنية الذكاء الاصطناعي، بينما تقدم شركة هواوي رقائق الذكاء الاصطناعي الخاصة بها”.
وتشير التقارير الأخيرة من عام 2024 إلى أن كلا البلدين يضخان مليارات الدولارات في “سيادة الرقائق”، ونتائج هذه المعركة سيكون لها تداعيات بعيدة المدى على القيادة التكنولوجية العالمية.
الولايات المتحدة والصين ليستا وحدهما في السباق المحموم نحو الذكاء الاصطناعي، إذ إن الاتحاد الأوروبي وروسيا والهند وقوى ناشئة أخرى دخلت أيضاً على الخط بقوة، لأنها تدرك الأهمية الاستراتيجية للذكاء الاصطناعي، تماماً كما كان الحال مع البخار والكهرباء خلال الثورات الصناعية السابقة، لذا فهي تعمل بسرعة على بناء قدراتها الخاصة في هذا المجال، سعياً لتحقيق مكانة جديدة قد تعيد تشكيل التحالفات التقليدية وتُنشئ مراكز قوى جديدة.
وتشير خطة “قارة الذكاء الاصطناعي” الجديدة التي أطلقها الاتحاد الأوروبي في أبريل 2025 إلى التوجه نحو تشكيل تكتلات إقليمية للذكاء الاصطناعي، تهدف إلى توحيد الموارد ووضع المعايير، رغم استمرار المخاوف من أن التنظيم المفرط قد يعيق الابتكار.
ومع ذلك، تقوم الولايات المتحدة بتعزيز علاقاتها مع حلفائها مثل اليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي لإنشاء سلاسل توريد آمنة ووضع معايير دولية للذكاء الاصطناعي، أما الصين، فتبني شراكات عبر آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، حيث تصدر تقنيات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية المصاحبة لها.
يعرب كبار الاستراتيجيين وصنّاع السياسات والباحثين، عن قلقهم المتزايد بشأن العلاقة المعقدة بين الذكاء الاصطناعي والمناخ.
وفي ندوة نظمها معهد بوفيه للشؤون العالمية التابع لجامعة نورثويسترن، حول الذكاء الاصطناعي والجيوسياسة، قالت ديبورا كوهين، مديرة المعهد: “نحن في خضم ثلاث تحولات كبرى ومترابطة في النظام العالمي، جميعها تدور حول الذكاء الاصطناعي، ولا يمكن فهم أحدها دون الأخرى”.
وتابعت: “هناك الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يغيّر اقتصاداتنا ومجتمعاتنا وسياساتنا بطرق لم نبدأ بعد سوى في استيعابها، وهناك التحول الجيوسياسي الذي نشهده منذ عقود، حيث تراجعت الهيمنة الأمريكية لصالح عالم متعدد الأقطاب، وثمة أزمة المناخ، التي يبدو أن مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، بسبب احتياجها الهائل للطاقة، تُسرّع وتيرتها في الوقت الراهن.”
وهذا يشير إلى أن مراكز البيانات التي تُشغل أنظمة الذكاء الاصطناعي، تستهلك كميات ضخمة من الطاقة، فمثلاً، يُقال: “إن استجابة واحدة من ChatGPT قد تستهلك طاقة نحو خمسة أضعاف ما تستهلكه عملية بحث واحدة على Google، حيث نبهت شركة Cegal، وهي شركة تقنية عالمية متخصصة في الطاقة، إلى الضغط الهائل الذي تتعرض له شبكة الطاقة، والتي تكافح لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة النظيفة”.
في نفس السياق، أعربت روبي سكلان، مساعدة باحث في برنامج التكنولوجيا والأمن القومي في مركز الدراسات الأميركية الجديدة في واشنطن، خلال الندوة، عن قلقها بشأن تأثير سباق الهيمنة على الذكاء الاصطناعي في تقويض قدرة الدول على تطوير ذكاء اصطناعي آمن ومسؤول.
وقالت سكلان: “إن الولايات المتحدة والصين تتسابقان نحو الحدود القصوى للتكنولوجيا، وهذا من شأنه أن يدفع المختبرات الرائدة في الذكاء الاصطناعي إلى التسرع في نشر النماذج دون اختبارها بشكل كافٍ، وربما بالتعاون مع وكالات حكومية، وهذا الاندفاع نحو الإطلاق السريع قد يؤدي إلى تجاهل تدابير السلامة.”
وهذا يشير إلى أن هناك جانباً خطيراً قد يجلبه سباق الذكاء الاصطناعي، وهذه المرة يتمثل في الجهات الخبيثة، من المنظمات المتطرفة والجماعات المتطرفة التي تسعى إلى تسليح نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة لإحداث الفوضى، وزعزعة استقرار المجتمعات، وتحقيق مكاسب مادية.
ومع ذلك، هذه الجهات ستكون أكثر استعداداً لاستغلال قدرات الذكاء الاصطناعي دون تردد، وقد توسّع من قدراتها في مجالات الإرهاب، والتخريب، والجريمة باستخدام هذه التقنيات المتطورة.
مع كل هذه التداعيات، ومن أجل تسخير فوائد الذكاء الاصطناعي مع التخفيف من مخاطره، ينبغي على القادة العالميين المطورين لهذه التكنولوجيا أن يتعاونوا في تحديد التهديدات الحقيقية، ووضع حلول مشتركة، وإعطاء الأولوية للمبادئ الأخلاقية، والاستثمار في الوصول العادل إلى التكنولوجيا.
وعلى النقيض من ذلك، رغم أن بعض الجهات مثل AI Planet تدعو إلى التعاون العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي، فإن معظم الدول لا تزال تُقدّم المصالح الوطنية أو الإقليمية، وتُبقي على الابتكارات محمية بالسرية، وهنا يكمن الخطر، حيث سيعمل الذكاء الاصطناعي على زيادة الفجوة بين الدول والمجتمعات، ما لم يتم وضع أطر تنظيمية لتطوير مسؤول وشامل لهذه التكنولوجيا.
وفي هذا العصر الجديد من التحولات الجيوسياسية، الرهانات وحدها لن تكون كافية، لضمان أن يكون الذكاء الاصطناعي قوة تعزز الاستقرار العالمي بدلاً من الانقسام.
والسؤال المطروح اليوم: إلى أي مدى ستتعاون القوى الكبرى مع بعضها، وفي الوقت نفسه تحافظ على التنافس الشرس؟.
حتى الآن، لم يظهر فائز واضح في سباق قيادة الذكاء الاصطناعي، ووفقاً لمؤشر الذكاء الاصطناعي الصادر عن جامعة ستانفورد لعام 2025، “أصبح السباق بين الصين والولايات المتحدة أكثر تقارباً من أي وقت مضى، ولا أحد يمتلك الصدارة بشكل واضح”.
وتتقدم الولايات المتحدة حالياً في النماذج الأساسية للذكاء الاصطناعي والكوادر البشرية الموهوبة، بينما تُحرز الصين تقدماً سريعاً، خصوصاً في تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاع الصناعي ودمجه في الأجهزة الاستهلاكية.
لم يُحسم هذا السباق، حتى الآن، ولا يمكن تحديد فائز واضح، ووفقاً لتقارير متعددة من مصادر رائدة مثل: MIT Technology Review وAXIOS وStanford AI Index وAEI، فإن المشهد أكثر تعقيداً من مجرد فوز طرف واحد.
وتشير MIT Technology Review إلى أنه رغم امتلاك الولايات المتحدة في البداية ميزة في الموارد الحاسوبية المتقدمة والبحث العلمي، إلا أن تركيز الصين على الكفاءة والابتكار المحلي ساعدها على تقليص الفجوة بسرعة، حيث وصلت النماذج الصينية إلى مستوى يقارب الأمريكية في معايير الأداء الأساسية.
كما أن الصين تتفوق في عدد المنشورات والبراءات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، وتحقق نتائج تنافسية بكفاءة أعلى وموارد أقل، وتوسّع تطبيق الذكاء الاصطناعي في الأسواق الناشئة.
أما AXIOS، فترى أن تحديد الفائز يعتمد على ما يتم مراقبته، وتقول: “شركات التكنولوجيا الكبرى تتمتع بميزة الموارد والقدرة على الاستحواذ على شركات ناشئة مبتكرة، لكن الشركات الناشئة الرشيقة والمشاريع مفتوحة المصدر لا تزال تُحرز اختراقات حاسمة.”
وعلى النقيض من ذلك، تبقى الولايات المتحدة المتصدرة عالمياً، خاصة في تطوير النماذج البارزة وتركيز الكوادر المتميزة، حيث أطلقت 40 نموذجاً مهماً في عام 2024، مقارنة بـ 15 نموذجاً في الصين و3 فقط في أوروبا، وبحسب تقرير AI INDEX 2025 الصادر عن معهد المشاريع الأمريكية (AEI)، لا تزال شركات أمريكية كبرى مثل OpenAI وGoogle وMicrosoft في طليعة الابتكار والبنية التحتية في هذا المجال.
أما أوروبا، فهي تُحرز بعض التقدم لكنها لا تزال متأخرة عن الولايات المتحدة والصين من حيث عدد النماذج والتأثير العالمي.
تُعَد تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري جزءاً من التحول الكبير في أساليب الحروب الحديثة، حيث تعمل الولايات المتحدة والصين على نشر الطائرات المسيّرة الذاتية واستخدام الذكاء الاصطناعي في تحديد الأهداف، بالإضافة إلى أنظمة القيادة والسيطرة المتقدمة، بهدف تحقيق تفوق في ساحة المعركة.
يساهم الذكاء الاصطناعي في معالجة البيانات الميدانية في الوقت الحقيقي، ما يتيح التكيف السريع مع الظروف المتغيرة وتنفيذ ضربات دقيقة.
الولايات المتحدة والصين تقومان بنشر طائرات مسيّرة ذاتية القيادة، وتقنيات تحديد الأهداف المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، وأنظمة قيادة وتحكم متقدمة لتحقيق التفوق الميداني
يساعد الذكاء الاصطناعي القادة العسكريين في معالجة وتحليل كميات ضخمة من البيانات القادمة من الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار، كما تتيح الاتصالات السريعة والدقيقة لهذه الأنظمة تعزيز التخطيط، والتنبؤ بالمخاطر، بالإضافة إلى اتخاذ قرارات استراتيجية أسرع وأكثر دقة.
يمكن للذكاء الاصطناعي التنبؤ بالأعطال المحتملة في المعدات العسكرية، والعمل على صيانتها بشكل استباقي، ما يساهم في تمديد عمر المعدات وتقليل التكاليف.
توفر أنظمة الذكاء الاصطناعي بيئات محاكاة واقعية لتدريب الجنود على السيناريوهات القتالية المعقدة، إذ تعزز هذه البيئات الجاهزية القتالية، وتساهم الطائرات المسيّرة الذاتية والصواريخ الذكية في زيادة دقتها وتقليل الخسائر البشرية والمدنية.
يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور والفيديوهات بهدف تحديد الأهداف بدقة ومراقبة التهديدات المحتملة، ما يمنح القوات أفضلية استراتيجية في ساحة المعركة.
يعد الذكاء الاصطناعي عنصراً أساسياً في العمل الاستخباراتي، نظراً لقدرته على معالجة وتحليل مجموعات ضخمة من البيانات تُعدّ من أهم ميزاته، ما يوفر رؤى دقيقة تدعم العمليات الاستخباراتية.
أظهرت الصراعات الأخيرة مثل الحرب الروسية-الأوكرانية، كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تسريع التطبيقات العسكرية، سواء في اتخاذ القرارات، أو تعزيز المراقبة، أو تحديد الأهداف تلقائياً، فإن هذه التطبيقات تثير مخاوف أخلاقية وإنسانية عميقة.
تستخدم الصين تكنولوجيا التعرف على الوجوه بشكل واسع في جهاز الأمن العام لديها، حيث تقوم بتتبع الأفراد بما في ذلك المعارضين والأقليات العرقية، في إطار استراتيجية مراقبة شاملة، كما تدمج أنظمة الائتمان الاجتماعي مع البيانات الضخمة وتقنيات المراقبة، ما يتيح مستويات غير مسبوقة من الرصد والتحكم الاجتماعي.
وفي محاولة لمعالجة المخاوف المتزايدة حول المخاطر التي تشكلها الاستخدامات الواسعة لتكنولوجيا التعرف على الوجوه، أفادت وكالة رويترز بأن إدارة الفضاء الإلكتروني الصينية (CAC) نشرت لوائح بشأن استخدام هذه التكنولوجيا.
وتابعت: “يجب توفير خيارات معقولة ومريحة أخرى للأفراد الذين لا يوافقون على التحقق من الهوية عبر معلومات الوجه”.
تشير الأبحاث التي أجراها تحالف المشاركة المدنية(ACE) ، إلى أن وكالات الاستخبارات الأمريكية تستخدم الذكاء الاصطناعي، للمساعدة في التحليلات التنبؤية لمجموعات البيانات الضخمة، وتوقع التهديدات، واكتشاف الأنماط الخفية، والشبكات الإرهابية والإجرامية.
ووفقاً لتقرير TechXplore الأخير، تُساعد منصات الذكاء الاصطناعي مثل نظام OSIRIS التابع لوكالة الاستخبارات المركزية في معالجة كميات ضخمة من البيانات سواء المفتوحة المصدر أو المصنفة، كما يقوم النظام بتوليد ملخصات مشروحة، ويُبرز الروابط التي يصعب اكتشافها يدوياً.
ويمثل الذكاء الاصطناعي ثورة في المجالات العسكرية والاستخباراتية، حيث يعزز الكفاءة والابتكار، ومع ذلك، فإنه يتطلب إدارة دقيقة للتحديات الأخلاقية والتقنية لضمان تحقيق أقصى استفادة مع تقليل المخاطر المحتملة.
يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في مجال الأمن السيبراني، إذ أصبح من الممكن اكتشاف التهديدات والبرمجيات الخبيثة بسرعة وبتكلفة أقل، فبفضل الأنظمة المؤتمتة، يمكن عزل الأنظمة المصابة، ومعالجة الثغرات الأمنية، بل وحتى الرد على الهجمات في بعض الحالات.
كما يُستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة الاحتيال، حيث تعتمد عليه المؤسسات المالية لاكتشاف المعاملات المشبوهة ومنع الجرائم الإلكترونية.
ومع ذلك، لا يزال يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي على أنه سلاح ذو حدين، لأنه يُخفض من عتبة الدخول أمام المجرمين السيبرانيين، ما يؤدي إلى زيادة نطاق وتعقيد الهجمات الإلكترونية.
وعلى النقيض من ذلك، ووفقاً لدراسة أجرتها جمعية أنظمة الحوسبة المتقدمة (USENIX)، فإن كلاً من المهاجمين والمدافعين باتوا يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي، ما جعل ساحة الحرب السيبرانية أكثر ازدحاماً ولا يمكن التنبؤ بها، وقد أدى ذلك إلى دخولنا في عصر جديد من الحرب الخوارزمية، حيث تُخاض المعارك الرقمية بسرعة الآلة.
كما حذّر تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2024 من أن الهجمات السيبرانية المدعومة بالذكاء الاصطناعي أصبحت أكثر تكراراً وتعقيداً، بشكل يفوق قدرات الدفاع التقليدية الحالية، لذلك، تبرز الحاجة الملحّة إلى تعاون دولي نظراً للطبيعة العابرة للحدود في الفضاء السيبراني.
وقد أطلقت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مبادرات مشتركة لتبادل معلومات التهديدات وتطوير معايير موحدة، إلا أن التوترات الجيوسياسية لا تزال تشكّل عائقاً أمام تعاون أوسع.
يُحدث الذكاء الاصطناعي تغييراً جذرياً في أنماط حياة الناس وطُرق عملهم، ما يدفع للتساؤل: إلى أي مدى ستؤثر هذه التكنولوجيا على الاقتصاد، والأعمال، والمستهلكين؟.
الموظفون يتطلعون لمعرفة ما يعنيه الذكاء الاصطناعي بالنسبة لوظائفهم ودخلهم، بينما تسعى الشركات لفهم كيفية الاستفادة من الفرص التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، وتحديد الوجهات المثلى للاستثمار فيه.
ومع ذلك، من المتوقع أن يُضيف الذكاء الاصطناعي تريليونات الدولارات إلى الاقتصاد العالمي خلال العقد المقبل، ووفقاً لتقرير صادر عن شركة الاستشارات العالمية برايس ووترهاوس كوبرز (PwC) حول الذكاء الاصطناعي العالمي، يمكن أن يضيف الذكاء الاصطناعي نحو 15.7 تريليون دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول عام 2030، وسيكون هذا النمو مدعوماً بتحسين الإنتاجية، والتوسع في الأتمتة، وابتكار منتجات وخدمات جديدة.
وتشير تحليلات شركة PwC إلى أن تحسين إنتاجية العمل الناتج عن الأتمتة، سيشكّل أكثر من نصف المكاسب الاقتصادية المتوقعة من الذكاء الاصطناعي، أما النصف الآخر، فسينتج عن زيادة الطلب الاستهلاكي بفضل تحسين المنتجات المدعومة بالذكاء الاصطناعي.
وتتضمن هذه التحسينات، اختراقات في اكتشاف الأدوية، ونمذجة المناخ، والطب الشخصي، إضافةً إلى عوائد الأتمتة المباشرة، كما يغطي الذكاء الاصطناعي ظهور نماذج أعمال جديدة، تتراوح بين المركبات ذاتية القيادة، وتطوير المدن الذكية.
يُعد تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف أحد أبرز مصادر القلق في العصر الرقمي، فوفقاً لتقارير PwC والمنتدى الاقتصادي العالمي، يصاحب الذكاء الاصطناعي اضطراب في سوق العمل يتمثل في إزاحة وظائف بفعل الأتمتة، إلى جانب خلق أدوار جديدة.
العقد القادم سيكون حاسماً في تحديد القواعد والمعايير والقيم التي ستحكم عصر الذكاء الاصطناعي، وبالتالي سترسم مستقبل الازدهار العالمي
من جهة، قد يُنتج الذكاء الاصطناعي وظائف جديدة في مجالات مثل: علم البيانات، والهندسة، وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، ومن جهة أخرى، يُهدّد ملايين الوظائف في قطاعات مثل: النقل، وخدمة العملاء، والتصنيع، كما تعمل الحكومات والشركات على الاستثمار في إعادة التأهيل والتعليم.
وعلى النقيض من ذلك، فإن وتيرة التغيير السريعة تطرح تحديات اجتماعية وسياسية كبيرة، حيث كشفت دراسة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أن نحو 27% من الوظائف في الاقتصادات المتقدمة مهددة بسبب الأتمتة بحلول عام 2030.
ومع ذلك، رغم أن الاقتصاد العالمي سيستفيد من مساهمات الذكاء الاصطناعي عبر زيادة الإنتاجية والكفاءة، وخفض التكاليف وزيادة الأرباح، إلا أن الحقيقة المرة هي أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى فقدان وظائف في القطاعات التقليدية، لكن على الجانب المشرق، فهو يفتح آفاقاً لوظائف جديدة في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة، والتي تتطلب في كثير من الأحيان تعاون الإنسان مع الآلة بدلاً من استبداله بها.
رغم ما يُحققه الذكاء الاصطناعي من فوائد كبيرة، فإن التحديات الظاهرة على السطح لا تزال بعيدة عن الحل، حيث يشهد العالم منافسة جيوسياسية متزايدة بين القوى الكبرى لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة، ما قد يؤدي إلى توترات تجارية وسياسية.
كما تواجه الدول والمناطق المتأخرة في تبني الذكاء الاصطناعي خطر التراجع الاقتصادي بشكل أكبر، لذا، فإن ردم الفجوة الرقمية من خلال الاستثمار في البنية التحتية والتعليم ووضع سياسات شاملة سيكون أمراً حاسماً لضمان توزيع عادل لفوائد الذكاء الاصطناعي.
ومع تقدم ثورة الذكاء الاصطناعي، ستكتسب القرارات التي تتخذها الحكومات والشركات والأفراد أهمية قصوى، فهي التي ستحدد ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قوةً للتقدم أم سبباً للانقسام، والعقد القادم سيكون حاسماً في صياغة القواعد والمعايير والقيم التي ستحكم عصر الذكاء الاصطناعي، وبالتالي ستؤثر في مستقبل الازدهار العالمي.
تتوقع منظمات بارزة في مجال التسويق المعتمد على البيانات، مثل Tech Target، أن يقود الذكاء الاصطناعي مستقبلاً قريباً مليئاً بتغيرات جذرية وسيناريوهات متعددة.
مع الانتشار الواسع لاعتماد الذكاء الاصطناعي بين الأفراد، ستصبح عمليات اتخاذ القرار وتقديم الخدمات من قبل الشركات والمؤسسات الحكومية والمنظمات غير الربحية أسرع بكثير.
وعلى امتداد المجتمع، سيشعر الناس بزيادة وتيرة التفاعل مع المؤسسات الكبرى، وسيبدو أن الحياة تتسارع مع تزايد دمج الذكاء الاصطناعي في التفاعلات اليومية والهياكل المؤسسية.
أدى التوسع في أتمتة الأعمال إلى مخاوف متزايدة من فقدان الوظائف، إذ يُتوقع أن تُستبدل العديد من الوظائف التقليدية -لا سيما في مجالات مثل القانون، والنقل، والصناعة- بالذكاء الاصطناعي.
ورغم أن بعض الوظائف ستختفي، إلا أن أخرى جديدة ستظهر، وغالباً ما ستتطلب تعاون الإنسان مع الذكاء الاصطناعي، وفقاً لمقال بعنوان: “مستقبل الذكاء الاصطناعي: كيف سيغير الذكاء الاصطناعي العالم”، نُشر على منصة Built In المتخصصة في وظائف التكنولوجيا.
ومع ذلك، يتوقع بعض الخبراء احتمال تطبيق الدخل الأساسي الشامل حل للتعامل مع البطالة الواسعة، بينما يحذر آخرون من ازدياد الفجوة في المساواة، إذا لم يُوزّع الثراء الناتج عن الذكاء الاصطناعي بشكل عادل.
الذكاء الاصطناعي سيُحدث ثورة في مجال الرعاية الصحية، عبر الطب الدقيق، وتحسين التشخيص، والعمليات الجراحية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ما سيؤدي إلى نتائج علاجية أفضل، ورعاية صحية أكثر تخصيصاً وفعالية.
كما يُتوقع أن تستخدم الروبوتات الذكية لرعاية كبار السن ومساعدتهم في المهام اليومية، ما سيُسهم في تحسين جودة الحياة لفئات واسعة من السكان.
تشير دراسة حالة أجرتها منظمة TechUK حول الأثر الإيجابي للذكاء الاصطناعي على المجتمع إلى أن الذكاء الاصطناعي سيُعيد تشكيل قطاع التعليم من خلال التعلم المخصص، كما سيُغيّر كيفية تفاعل الناس مع التكنولوجيا، ليصبح استخدام أدوات مدعومة بالذكاء الاصطناعي أمراً شائعاً كالبريد الإلكتروني اليوم.
ومع تغيّر نسيج المجتمع نتيجة التحولات في مفاهيم الثقة، والشمول، والمشاركة، يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يقلّل من التحيز في عمليات التوظيف واتخاذ القرار، ولكنه في الوقت نفسه يثير مخاوف متزايدة بشأن الخصوصية والمساءلة.
وفقاً لدراسة أجرتها جامعة إيلون بعنوان: “أثر الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2040″، تتنبأ بعض السيناريوهات بظهور عصر الوفرة، حيث يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل تحديات علمية وبيئية كبرى، بينما تحذر سيناريوهات أخرى من اضطرابات اجتماعية وفقدان الإنسان لقراره والتحكم بمصيره.
كما يشير المعهد الأمريكي للأبحاث العامة (AEI) من خلال مركزه الجديد للتكنولوجيا والعلوم والطاقة، إلى أن وتيرة التقدم المتسارعة في الذكاء الاصطناعي دفعت العديد من قادة المجال، للاعتقاد بأن الذكاء الاصطناعي العام (AGI) قد يصل أسرع ما كان متوقعاً، ويُتوقع أن تؤدي ولادة الذكاء العام الاصطناعي، إلى تغيّرات غير متوقعة، تتراوح بين تسارع الابتكار بشكل جذري، وتحوّلات جوهرية في مفاهيم العمل والتعلّم والحياة نفسها.
وقال داريو أمودي، الباحث الرائد والمدير التنفيذي لشركة Anthropic الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي: “بحلول عام 2027، ستكون لدينا أنظمة ذكاء اصطناعي ذات قدرات فكرية تضاهي أو تتجاوز قدرات الفائزين بجوائز نوبل في معظم التخصصات، بما في ذلك علم الأحياء وعلوم الحاسوب والرياضيات والهندسة.”
وبحسب داريو أمودي، فإن الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب سيملك قدرات غير مسبوقة، منها، القدرة على التعامل مع جميع الواجهات الرقمية التي يستخدمها الإنسان اليوم، بما يشمل معالجة وتوليد النصوص، والصوت، والفيديو، والتحكم الذاتي في الأدوات التكنولوجية مثل الميكروفونات ولوحات المفاتيح، والوصول إلى الإنترنت وتصفحه بشكل مستقل.
وعلاوة على ذلك، سيصبح الذكاء الاصطناعي قادراً على، الاستدلال الذاتي وحل المهام المعقدة عبر فترات طويلة تمتد من ساعات إلى أيام أو حتى أسابيع، والتفاعل مع العالم الفيزيائي من خلال الروبوتات وغيرها من الأدوات، ما يعني اندماجاً أعمق بين الذكاء الاصطناعي والواقع المادي.
العالم بعد الذكاء الاصطناعي سيكون أسرع، وأكثر أتمتة، ومتحولاً بشكل عميق، حيث سيجمع بين فوائد مذهلة وتحديات خطيرة، وستعتمد النتيجة النهائية على كيفية إدارة المجتمعات لهذه التحولات، وعلى قدرة الدول على توزيع المكاسب بشكل عادل، ومعالجة المخاطر الأخلاقية.
على الصعيد الاجتماعي، سيُعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل طريقة تفاعل الناس، حيث سيصبح التعامل مع مزيج من البشر، والآلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، والكائنات الهجينة أمراً طبيعياً.
كما ستنتشر التجارب فائقة التخصيص، المعتمدة على البيانات السلوكية والعاطفية، على نطاق واسع، ومن المتوقع أن يُسهم الذكاء الاصطناعي في تحقيق تقدّم كبير في الرعاية الصحية والتعليم والاستدامة البيئية، ويُمكّن من إيجاد حلول جديدة ومبتكرة.
لكن على النقيض من ذلك، يحذر الخبراء من مخاطر كبيرة، أبرزها، فقدان الوظائف، واتساع الفجوة الاقتصادية، وتهديدات الخصوصية، واحتمال فقدان السيطرة على الأنظمة المستقلة، ما قد يؤدي إلى عواقب غير متوقعة.
عندما طُرِح على أحد برامج الذكاء الاصطناعي سؤالٌ: حول ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيُفني البشرية كما هو موضح في فيلم The Matrix؟، كانت إجابته: “يتفق معظم الخبراء على أن احتمالية أن يُنهي الذكاء الاصطناعي البشرية بطريقة درامية كما في الأفلام مثل The Matrix، هي احتمالية ضعيفة للغاية”.
ورغم أن الذكاء الاصطناعي المتقدم وخاصة الذكاء العام الاصطناعي، قد يُشكل نظرياً خطراً وجودياً، إلا أن معظم الباحثين يرون أن هذا السيناريو غير مرجّح في ظل التكنولوجيا الحالية.
أما المخاطر الحقيقية في الوقت الراهن فهي أكثر واقعية وعملية، وتشمل: سوء استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل البشر، سواء في التسليح، أو التلاعب، أو التسبب في فقدان الوظائف، وفقدان السيطرة على أنظمة معقدة، وإمكانية توظيف الذكاء الاصطناعي للإضرار بالمجتمع.
ويحذّر بعض الخبراء والتقارير من أنه، في حال غياب تنظيم صارم ورقابة فاعلة، فإن الذكاء الاصطناعي في المستقبل قد يصبح خطيراً أو خارجاً عن السيطرة، لكنهم يرونه خطراً يجب التعامل معه، لا مصيراً حتمياً.
بالنهاية،الذكاء الاصطناعي يحمل تحديات حقيقية وجدية، لكن فكرة استعباد البشرية على يد الذكاء الاصطناعي، تظل مجرد احتمال نظري محل جدل واسع وليست مستقبلاً مرجّحاً.