تراجع تعامل الولايات المتحدة مع إفريقيا في ظل رئاسة دونالد ترامب، واقتصر على عدد من القضايا الرئيسية، مثل: اتفاقيات الترحيل المثيرة للجدل، والرسوم الجمركية العقابية، والاستيلاء الاستراتيجي على المعادن الأساسية في جميع أنحاء القارة، والنتيجة: “أفريقيا عالقة في دوامة من التقلبات التي أحدثتها السياسات الأمريكية التحريضية”، فبينما تحارب الديمقراطيات الإفريقية الكبرى مثل: نيجيريا وغانا وجنوب إفريقيا لحماية سيادتها وكرامتها وسياساتها المستقلة، تُضطر الدول الأصغر والأضعف إلى الاستسلام تحت ضغط متزايد؛ فتقدم موانئها الاستراتيجية ومناجمها مقابل مكاسب سياسية مؤقتة وتسهيلات اقتصادية محدودة.
أدت هذه الظاهرة إلى خلق خطوط صدع متعددة على طول القارة الأفريقية، وتآكل قوة التكتلات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي، الذي كان يهيمن في وقت ما على المفاوضات مع الدول والمؤسسات الكبرى التي تتمتع بالنفوذ الجماعي لأفريقيا.
تفضيل ترامب للصفقات الثنائية المباشرة يساهم أيضاً في تفكيك الأطر متعددة الأطراف، ما يمكّن واشنطن من انتقاء الدول بناءً على نقاط ضعفها، وفي هذه العملية، تخاطر الديمقراطيات القوية بالعقوبات الاقتصادية والتداعيات الدبلوماسية، بينما تكتشف الدول الممتثلة، عواقب طويلة الأمد لمقايضة السيادة من أجل البقاء، لكن يبدو أن الصراع الحالي في إفريقيا مدفوع بآفاق تحقيق المكاسب الفورية، الذي قد يثبت أنه ضار على المدى الطويل، إلا أن تداعياته قصيرة المدى ستترك وراءها قارة أكثر انقساماً عند أدنى مستوياتها من الضعف الاستراتيجي.
الصراع الحالي في إفريقيا مدفوع بآفاق تحقيق المكاسب الفورية بشكل يثبت أنه ضار على المدى الطويل إلا أن تداعياته قصيرة المدى ستترك وراءها قارة أكثر انقساماً
عندما جلس وزير الخارجية النيجيري يوسف توجار، لإجراء مقابلة مع قناة “تشانيل” التلفزيونية في أبوجا في يوليو، كان يعلم أن السؤال القادم، سيكون حول شائعات انتشرت لأسابيع عن مقترح أمريكيٍّ لنيجيريا لاستقبال السجناء وطالبي اللجوء الفنزويليين المُهددين بالترحيل من الولايات المتحدة، حيث تعرضت إدارة دونالد ترامب لضغوطٍ في الداخل لإظهار قدرتها على اتخاذ إجراءاتٍ حاسمةٍ بشأن الهجرة، وكانت أفريقيا، في حسابات ترامب، جزءاً من الحل.
لم يُجامل توغار في إجابته، وقال: “لدينا ما يكفي من مشاكلنا.. لا يمكننا قبول المُرحَّلين الفنزويليين.. لدينا بالفعل 230 مليون نسمة”، وبذلك، رفضت أكبر ديمقراطية من حيث عدد السكان في أفريقيا علناً واحدة من أكثر مبادرات واشنطن إثارة للجدل منذ سنوات.
ولم تكن نيجيريا وحدها في ذلك، فقد خرج رئيس غانا، جون ماهاما، عن التحفّظ الدبلوماسي المعتاد ووجّه انتقاداً علنياً لطريقة تعامل ترامب مع رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، خلال اجتماع في البيت الأبيض بتاريخ 21 مايو، وأدان تصريحات ترامب بشأن “إبادة البيض” في جنوب إفريقيا، واصفاً إياها بأنها “إهانة قوية للذاكرة الجماعية وكرامة الأفارقة.”
يقول كورتيس سميث، محلل الشؤون العالمية في سان أنطونيو، تكساس: “دبلوماسية ترامب بشأن اللاجئين تقوم على تحويل مشاكل الهجرة الأمريكية إلى دول يراها سهلة الاستغلال أو قابلة للاستغلال، وهذه ليست شراكات، بل أساليب ضغط مُقنّعة تحت ستار الدبلوماسية”، ويضيف: “إنها ببساطة سياسة داخلية”.
وتتسم الترتيبات الخاصة باللاجئين بالغموض، لكن المحللين يقولون إنها جزء من صفقات أوسع نطاقاً تشمل المساعدات وضمانات الأمن أو الوصول التفضيلي إلى البرامج الأميركية.
في إفريقيا الوسطى، تعرض جمهورية الكونغو الديمقراطية على واشنطن امتيازاتٍ للوصول إلى الكوبالت ومعادنَ حيويةً أخرى ضروريةً لسلاسل التوريد الأمريكية، أما في منطقة القرن الإفريقي، فتسعى جمهورية أرض الصومال المعلنة من جانب واحد، إلى كسب ود إدارة ترامب عبر منحها إمكانية الوصول إلى موانئ استراتيجية، بما في ذلك قاعدة عسكرية على البحر الأحمر ومعادن حيوية، مقابل الحصول على اعتراف دبلوماسي.
يقول الخبير الاقتصادي السياسي الجنوب إفريقي، فوملاني ماجوزي: “رسوم ترامب الجمركية بنسبة 30% على السلع الجنوب إفريقية لا تتعلق بالاقتصاد، بل تتعلق بالسياسة.”
ويضيف: “إدارة ترامب تريد من جنوب إفريقيا أن تُجري تعديلات على قوانين الأراضي، وسياسات التمييز الإيجابي، وما تعتبره إساءة معاملة للأقلية الأفريقانية”.
ويتابع: “كما أنها تريد من بريتوريا أن تتراجع عن مواقفها المناهضة لإسرائيل، فمن وجهة نظرهم لا يوجد عرض استثماري مغرٍ بما يكفي لتغيير موقف ترامب ما لم تتغير هذه الأمور”.
تكشف هذه الحالات عن كيفية تشابك قضايا الهجرة والضغوط التجارية والسيطرة على الموارد الاستراتيجية، بشكل متزايد في سياسة واشنطن تجاه أفريقيا، حيث توفر اتفاقيات الترحيل فرصاً للتعاون الأمني، وتعزيز الوصول إلى معادن سلاسل الإمداد الأمريكية، وكلاهما يرتبطان بالرسوم الجمركية التي تُستخدم كأوراق ضغط في المفاوضات الثنائية.
وقد أثارت هذه الأدوات المتشابكة للضغط ردود فعل قوية ومتباينة في مختلف أنحاء أفريقيا، ما أدى إلى تقسيم الدول إلى معسكرين رئيسين: الديمقراطيات المتمردة المصممة على مقاومة مطالب واشنطن، والدول المطيعة المستعدة للامتثال لتحقيق مكاسب استراتيجية أو اقتصادية.
الدول الأفريقية منقسمة لمعسكرين: الديمقراطيات المتمردة والمقاومة لمطالب واشنطن والدول المطيعة المستعدة للامتثال لتحقيق مكاسب استراتيجية أو اقتصادية
تفاقمت الأزمة الدبلوماسية بين غانا والولايات المتحدة بعد خلاف علني بين وزير خارجية غانا، صمويل أوكودزيتو أبلاكوا، وجيمس إي. ريش، الرئيس الجمهوري للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، وكان ريش قد اتهم غانا بتفضيل الدائنين الصينيين على الشركات ودافعي الضرائب الأمريكيين، عقب اجتماعات أبلاكوا في واشنطن بشأن التجارة والهجرة وعقوبات التأشيرات الأمريكية المرتقبة.
رد أوبلاكوا بقوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واصفاً التصريحات بأنها “منافقة”، ومذكّراً واشنطن بـ”تعويضات” لم تُدفع عن تجارة العبيد عبر الأطلسي، بينما أكد التزام غانا بسداد ديونها، وشدّد على أن السداد سيكون وفقاً لشروط أكرا، في رسالة تؤكد أولوية السيادة، وتعكس الموقف الحازم لديمقراطيات إفريقية أخرى تقاوم الضغوط الاقتصادية والسياسية في عهد ترامب.
في بريتوريا، حيث استعد الاقتصاد لتلقي صدمة الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب بنسبة 30% على السلع الجنوب إفريقية، رفضت حكومة رامافوزا الرضوخ، وبدلاً من ذلك، شددت على حقها السيادي في تحديد سياساتها الداخلية والخارجية، حتى في الوقت الذي تسعى فيه جاهدة خلف الكواليس لإنقاذ استثناء تجاري في اللحظات الأخيرة.
في الأسابيع الأخيرة، واجهت جنوب أفريقيا إسواتيني بشأن قرارها قبول المجرمين المرحلين من الولايات المتحدة، وكثفت خطابها ضد حرب إسرائيل في غزة، وتمسكت بسياسات الإصلاح الزراعي التي تؤثر على المزارعين الأفريقيين، بل ووقعت حتى على سجل التعازي في السفارة الإيرانية، وقد لاحظت واشنطن ذلك، إذ كانت إدارة ترامب تسعى للحصول على تنازلات بشأن السياسات الاقتصادية المبنية على العرق، مثل “التمكين الاقتصادي للسود”، وتخفيف موقف جنوب إفريقيا من قضايا الشرق الأوسط، لكنها حتى الآن، لم تحصل على أي من ذلك.
أما بالنسبة لنيجيريا وغانا وجنوب إفريقيا، فإن قول “لا” لا يقتصر فقط على مقاومة الصفقات الأمريكية المثيرة للجدل سياسياً، بل هو إعلان عن القيادة، ورفض للانجرار إلى حروب الثقافة الداخلية في الأمريكية.
يقول كيرتس سميث، محلل الشؤون العالمية في سان أنطونيو، تكساس: “هم يقولون لا، ويفعلون ذلك بوضوح وقناعة، هذه دول تتمتع بمؤهلات ديمقراطية ومجتمعات مدنية قوية، وهي توجّه رسالة واضحة مفادها أنها لن تُدار عبر الإكراه أو الترهيب الاقتصادي، فالأمر يتعلق بالكرامة بقدر ما يتعلق بالسياسة.”
في حالة ماهاما، كان ذلك يعني الوقوف إلى جانب رامافوزا في خلاف دبلوماسي علني، أما في حالة رامافوزا، فقد كان ذلك يعني المخاطرة بخسارة اقتصادية للحفاظ على استقلالية سياساته، وربما مصداقية حزبه، المؤتمر الوطني الأفريقي، في بلاده.
يساهم الفاعلون المحليون في تشكيل هذه المواقف، ففي جنوب إفريقيا، ضغطت النقابات العمالية على المؤتمر الوطني الإفريقي لمقاومة التغييرات السياسية المرتبطة بالرسوم الجمركية، محذرةً من فقدان الوظائف وتآكل السيادة، حيث حذر اتحاد نقابات جنوب أفريقيا (فيدوسا) من التوقعات “المثيرة للقلق” بشأن فقدان الوظائف، وكذلك من مخاطر جدية على القطاعات التي يقودها التصدير مثل تصنيع السيارات، وحث على مشاركة عاجلة من الحكومة والولايات المتحدة لحماية فوائد قانون النمو والفرص في أفريقيا (أغوا) والتجارة الثنائية.
وعلى النقيض من ذلك، أدان اتحاد نقابات العمال في جنوب أفريقيا التعريفات الجمركية ووصفها بأنها “اقتراح متهور” من شأنه أن يؤدي إلى تأجيج حرب تجارية عالمية، مشيراً إلى التدابير الانتقامية التي اتخذتها بالفعل الصين وكندا.
في غانا، استغلت أحزاب المعارضة ردّ الحكومة على واشنطن لحشد المشاعر الوطنية، أما في نيجيريا، أعربت منظمات المجتمع المدني وأحزاب المعارضة عن رفضها الصريح لاتفاقيات الهجرة التي أبرمها ترامب، واصفةً إياها بالاستعمار الجديد.
في 5 يوليو، استقبلت جنوب السودان ثمانية مرحلين من الولايات المتحدة، كان واحد منهم فقط من جنوب السودان، بينما كان البقية من دول مثل: كوبا، والمكسيك، ولاوس، وميانمار وفيتنام، حيث وصفت جوبا هذه الخطوة بأنها “إجراء لتعزيز التعاون الإنساني، والوفاء بالمسؤوليات الدولية، والحفاظ على علاقات دبلوماسية إيجابية مع واشنطن”، وكان المرحلون قد أدينوا بجرائم خطيرة مثل القتل، والاعتداء الجنسي، والسرقة، وقد أكملوا أو كانوا يقتربون من إنهاء فترة عقوبتهم في الولايات المتحدة.
في 16 يوليو، وصل خمسة سجناء أمريكيين، وصفتهم واشنطن بأنهم “بربريون” ورفضتهم بلدانهم الأصلية، إلى إسواتيني بعد ما وصفته المملكة الواقعة في جنوب أفريقيا بـ”أشهر من الحوارات المكثفة رفيعة المستوى” مع الولايات المتحدة.
في رواندا، فقد أكدت حكومة بول كاغامي مؤخراً أنها وافقت على استقبال نحو 250 مرحلاً من الولايات المتحدة.
أما بالنسبة للحكومات الأكثر ضعفاً، فإن سياسة ترامب المعتمدة على الصفقات قد خلقت فرصاً وإغراءات لتحويل الأصول الاستراتيجية إلى مكاسب مالية.
سياسة ترامب المعتمدة على الصفقات خلقت فرصاً وإغراءات لتحويل الأصول الاستراتيجية إلى مكاسب مالية
يقول فيديريكو مانفريدي فيرميان، زميل السياسة الخارجية في معهد الدراسات السياسية الدولية الإيطالي: “إن عروض جمهورية الكونغو الديمقراطية في مجال المعادن، ومقترحات أرض الصومال بشأن الميناء هي محاولات مدروسة للبقاء في المدار الاستراتيجي لواشنطن”، مضيفاً: “نحن نشهد موجة جديدة من “دبلوماسية الموارد”، حيث تلجأ الدول ذات الخيارات المحدودة على الساحة العالمية إلى نشر أصول استراتيجية -من المعادن إلى البنية التحتية اللوجستية- لتأمين الدعم الاقتصادي والسياسي”.
ويتابع: “إن هذا يشبه ما جرى في فترة الحرب الباردة، عندما كانت الدول الإفريقية تغازل القوى العظمى من خلال المواد الخام وحقوق إقامة القواعد العسكرية”.
لكن الصراع اليوم أقل أيديولوجية وأكثر انتهازية، ويتشكل بناء على من يستطيع أن يقدم العروض الأكثر إغراءً ولمن يتم تقديمها.
يتزايد البُعد الأمني بشكل واضح، بعد ترتيب الولايات المتحدة لقواعد عسكرية جديدة تمتد من منطقة الساحل إلى القرن الأفريقي، ما يُعيد بشكل غير مباشر تشكيل موازين القوى الإقليمية، إذ يمكن لمثل هذه الاتفاقيات مع الدول الأصغر أن تُرجّح كفة النفوذ العسكري في التنافسات المحلية طويلة الأمد، بينما تُلزم هذه الدول بشكل أوثق بأولويات واشنطن الاستراتيجية، أحياناً على حساب التحالفات الإقليمية.
تُحذّر بيفرلي أوتشينغ، المحللة الأمنية المتخصصة في منطقة الساحل والتنافس العالمي على النفوذ في أفريقيا، من أن هذا النهج التبادلي يقلص الرقابة على الحوكمة والفساد وحقوق الإنسان، ما يجعل الدول الهشة أكثر عرضة للاستغلال، علاوة على ذلك، قد يُرسّخ هذا النهج النزعات الاستبدادية تحت ستار التعاون الأمني.
النتيجة هي مشهدٌ مجزأ، تستفيد فيه بعض الدول على المدى القصير، بينما تواجه دولٌ أخرى عقوباتٍ اقتصادية، يتضاءل فيه النفوذ الجماعي للقارة، حيث أدى صمت الاتحاد الأفريقي تجاه اتفاقيات الهجرة، وغياب جبهةٍ موحدةٍ بشأن الرسوم الجمركية الأمريكية، إلى تعميق المخاوف بشأن قدرة أفريقيا على العمل بتناغم.
أما بالنسبة للدول الصغيرة مثل إسواتيني أو جنوب السودان، فإن الحساب في غاية البساطة، يقول أوفيغوي إيغويغو، مستشار السياسات في منظمة ديفلوبمنت ري إيماجيند: “إن تفاوت القوة هائل، بالنسبة للحكومات الهشة التي تعتمد على المساعدات الأمريكية، فإن قبول اتفاقيات الهجرة أسهل من المخاطرة بالاستهداف الدبلوماسي أو السياسي من قبل واشنطن”.
ويقارن بين اتفاقيات الهجرة المثيرة للجدل التي وضعها الاتحاد الأوروبي مع تونس والمغرب وليبيا، حيث يمول الاتحاد حكوماتها المحلية لمنع المهاجرين من الوصول إلى أوروبا، ويقول: “إن الاتجاه نحو معالجة قضايا المهاجرين في دول ثالثة ينتهك التزامات حقوق اللاجئين وحقوق الإنسان، ومع ذلك، فقد أصبح أمراً طبيعياً”.
في منطقتي البحيرات العظمى والقرن الأفريقي، تتقاطع هذه الديناميكيات مع التنافسات الإقليمية، فالصومال يُعزز علاقاته مع تركيا، مُقدماً عرضاً أولياً لتراخيص النفط البحرية مقابل دعم عسكري موسع، فيما تُعتبر مبادرات أرض الصومال لإدارة ترامب في مقديشو تهديداً مباشراً لوحدة أراضي الصومال.
يقول إيغويغو: “في عهد ترامب، ركزت الولايات المتحدة على تأمين المعادن والفلزات الاستراتيجية، ومواجهة الصين وروسيا والنفوذ المتنامي لمجموعة البريكس”، مضيفاً: “الدول الأفريقية القادرة على تقديم عروض ملموسة في هذا الصدد يمكنها التفوق على جيرانها، حتى لو كانت في صراع معهم”.
تقول بيفرلي أوتشينغ: “التغيير يتسارع بسبب تلاشي النموذج المدفوع بالمساعدات”، مضيفة: “الدول الآن تتوجه نحو واشنطن بعروض، مثل الوصول إلى المعادن والموانئ الاستراتيجية، لأنها تعرف أن النموذج القديم للمساعدات في طريقه للزوال، في عالم أكثر اعتمادية على الصفقات، فهم يستغلون ما لديهم.”
وتضيف: “شهدنا ذلك في قمة ترامب الأفريقية المصغرة مع رؤساء السنغال وموريتانيا وغينيا بيساو وليبيريا والغابون: كل دولة قدمت عرضاً، ومع تراجع المساعدات الغربية وتوسع منافسين مثل تركيا والصين والإمارات العربية المتحدة وقطر وروسيا، تشتد المنافسة على الموارد الجيواستراتيجية”.
على مدار عقود، كان انخراط الولايات المتحدة مع أفريقيا غالباً يتم عبر هيئات إقليمية مثل الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) أو الاتحاد الأفريقي، أو عبر شركاء أوروبيين، أما نهج ترامب، فهو مختلف: صفقات ثنائية، تعقد مع كل دولة على حدة.
يقول أوفيغوي إيغويغو: “في أوروبا، يتفاوض الاتحاد الأوروبي ككتلة واحدة، ويحصل على شروط أفضل، أما في أفريقيا، فتُنتزع الدول واحدة تلو الأخرى، وهذه ليست شراكة، بل هي سياسة فرّق تسد”.
الاتحاد الأوروبي يتفاوض ككتلة واحدة ويحصل على شروط أفضل أما في أفريقيا، فتُنتزع الدول واحدة تلو الأخرى بشكل يكرس سياسة فرّق تسد
يؤدي تصاعد الانقسامات في إفريقيا إلى ضعف القوة التفاوضية الجماعية للقارة بشكل كبير، وبينما تسعى الدول إلى إبرام صفقات فردية مع واشنطن، يُخاطر الاتحاد الأفريقي بفقدان أهميته والتضامن اللازمين للتفاوض من موقع قوة، ورغم أن هذه الثنائية تعزز القوة، إلا أنها غالباً ما تضع الجيران في مواجهة بعضهم البعض للفوز من أجل كسب ود الولايات المتحدة، ما يترك كلاً من الدول الديمقراطية المتمسكة بمواقفها والدول المطيعة عرضة للخطر، الأولى من الانتقام الاقتصادي، والأخرى من انهيار الوعود الهشة.
استمرار الضغوط من الاتحاد الإفريقي، والأمم المتحدة، والقوى المنافسة قد يدفع واشنطن للتراجع عن التكتيكات الثنائية القسرية، لكن هذا السيناريو يتطلب وحدة غير مسبوقة بين الدول الإفريقية، وهو هدف صعب المنال تاريخياً، لكن إذا تم تحقيقه، قد يُعيد التوازن إلى العلاقات بين الولايات المتحدة وإفريقيا.
تزايد التصعيد الحاد في التنافس العالمي على ثروات أفريقيا وموانئها وطرق الهجرة قد يؤدي إلى جذب المزيد من القواعد العسكرية الأجنبية، وتحويل الدول الاستراتيجية إلى ساحات صراع بالوكالة للقوى المتنافسة، في هذا السياق، قد تؤدي المكاسب القصيرة الأجل من بيع الأصول الاستراتيجية إلى ربط الحكومات باتفاقيات أمنية واقتصادية طويلة الأجل، ما يحد من قدرة إفريقيا على التحرك بصوت واحد.